يستدل البعض بأن آزر هو والد إبراهيم وأنه كافر بالآية التالية : قال تعالى: (( وَمَا كَانَ استِغفَارُ إِبرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنهُ إِنَّ إِبرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ )) (التوبة:114).
لذا نقول :
إنّ ابن حجر يدّعي إجماع المؤرّخين على أنّ آزر لم يكن أباً لإبراهيم, وإنّما كان عمّه, أو جدّه لأُمّه, على اختلاف النقل، واسم أبيه الحقيقي: تارخ, وإنّما أطلق عليه لفظ الأب توسّعاً وتجوّزاً، وهذا كقوله تعالى: (( أَم كُنتُم شُهَدَاءَ إِذ حَضَرَ يَعقُوبَ المَوتُ إِذ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعبُدُونَ مِن بَعدِي قَالُوا نَعبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون)) (البقرة:133). ثمّ عدّ فيهم إسماعيل, وهو ليس من آبائه, ولكنّه عمّه.
وقد ذكر بعض العلماء أنّ اسم آزر لم يذكر في القرآن إلاّ مرّة واحدة في أوّل الأمر, ثمّ لم يتكرّر اسمه في غير ذلك المورد؛ تنبيهاً على أنّ المراد بالأب: آزر.
إنّ استغفار إبراهيم لأبيه قد كان في أوّل عهده وفي شبابه, مع أنّنا نجد أنّ إبراهيم حين شيخوخته, وبعد أن رُزق أولاداً, وبلغ من الكبر عتياً يستغفر لوالديه؛ قال تعالى حكاية عنه: ((الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء * رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء * رَبَّنَا اغفِر لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلمُؤمِنِينَ يَومَ يَقُومُ الحِسَابُ )) (ابراهيم:41)، قال هذا بعد أن وهب الله له على الكبر إسماعيل وإسحاق حسب نصّ الآيات الشريفة، مع أنّ الآية تفيد: أنّ الاستغفار الأوّل قد تبعه التبرّؤ مباشرة.
ولكن من الواضح: أنّ بين الوالد والأب فرقاً؛ فإنّ الأب يُطلق على المربّي وعلى العمّ والجدّ, أمّا (الوالد) فإنّما يخص الوالد بلا واسطة. فالاستغفار الثاني إنّما كان للوالد, أمّا الأوّل فكان للأب.
إنّه يمكن أن يكون ذلك الذي استغفر له, وتبرّأ منه, قد عاد إلى الإيمان, فعاد هو إلى الاستغفار له.
هذا, ولكن بعض الأعلام يرى: أنّ إجماع المؤرّخين على أنّ أبا إبراهيم ليس آزر منشؤه التوراة, التي تذكر أنّ اسم أبي إبراهيم هو: (تارخ)..
ثمّ ذكر ما استظهرناه نحن أيضاً من أنّ من الممكن أن يكون نفس والد إبراهيم قد كان مشركاً يجادله في الإيمان بالله, فوعده بالاستغفار له, ووفى بوعده, ثمّ عاد فآمن بعد ذلك، فكان يدعو له بعد ذلك أيضاً حتى في أواخر حياته هو كما أسلفنا.
وهذا الاحتمال وإن كان وارداً حيث لا ملزم لحمل الأب في القرآن, والوالد على المجاز، إلاّ أنّه ينافي الإجماع والأخبار؛ فلا محيص عن الالتزام بما ذكرناه آنفاً من أنّ المراد بالأب هو: العمّ والمربّي, لا الوالد على الحقيقة.
مع عدم قبولنا منه قوله: إنّ استعمال الأب في العمّ المربّي يكون مجازاً.
الأب ربما تطلق على الجد والعم وغيرهما، وقد اشتمل القرآن الكريم على هذا الإطلاق بعينه في قوله تعالى: (( أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدى قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون )) (البقرة:133) فإبراهيم جد يعقوب وإسماعيل عمه وقد أطلق على كل منهما الأب، وقوله تعالى فيما يحكى من كلام يوسف عليه السلام: (( واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب )) (يوسف:38) فإسحاق جد يوسف وإبراهيم عليه السلام جد أبيه وقد أطلق على كل منهما الأب .
تحصل ان آزر الذي تذكره الآية ليس أبا لإبراهيم حقيقة وإنما كان معنونا ببعض الأوصاف والعناوين التي تصحح إطلاق الأب عليه، وان يخاطبه إبراهيم عليه السلام بيا أبت، واللغة تسوغ إطلاق الأب على الجد والعم وزوج أم الإنسان بعد أبيه وكل من يتولى أمور الشخص وكل كبير مطاع، وليس هذا التوسع من خصائص اللغة العربية بل يشاركها فيه وفي أمثاله سائر اللغات كالتوسع في إطلاق الام والعم والأخ والأخت والرأس والعين والفم واليد والعضد والإصبع وغير ذلك مما يهدى إليه ذوق التلطف والتفنن في التفهيم والتفهم.
اذا كان آزرا ليس اسم والد ابراهيم ،فما هو اسم والد ابراهيم إذا ؟
سيقولون :تارح ، ومصدرهم التوراة،
فاذا كانت التوراة-عند المسلمين،بل و عند كثير من علماء اللاهوت الغربيين-محرفة،فما الدليل على أن والد ابراهيم ورد باسم تارح في التوراة الأصلية وغير المحرفة.
ثم انه في اللغة العربية القديمة-يسميها المستشرقون بالسامية- ترد كلة تارح بمعنى شهر ومنه اشتق لفظ تاريخ,فلفظ تارح تعني شهر وليس اسم علم.