تحديث : بيان حول هذه الدراسة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت اللهم على إبراهيم وآل ابراهيم وبارك اللهم على محمد وآل محمد كما باركت اللهم على ابراهيم وآل ابراهيم في العالمين انك حميد مجيد.
سأستعرض في هذا المبحث المختصر ما يخص قبيلة جذام القحطانية الكريمة وما ظن بأن لهم علاقة في نسب قبيلة الترابين الكريمة.
كما قسم العرب سابقاً لعرب عدنانيون اسماعليون و عرب قحطانيون وعرب بائدة ، تحسب قبيلة جذام على كهلان القحطانية، ومن أشهر بطونها: همدان، وأنمار، وطيء، ومذحج، وكندة، ولخم، وجذام، وعامله.
وقد قرأت في تاريخ المسعودي (284 هـ) : ” أن بني النضير فخذ من جذام تهودوا ونزلوا جبل يقال له نضير فسموا به، وأن بني قريظة أيضا فخذ من جذام تهودوا ونزلوا بجبل يسمى قريظة فنسبوا إليه.” أما صاعد البغدادي الأندلسي، صاحب المصنفات، والذي كان من المقربين من محمد بن أبي عامر المعروف بالمنصور، فقد ذكر صاعد مجموعة من القبائل التي تسربت إليها اليهودية مثل حمير وبني كنانة وبني الحارث بن كعب وكندة. وذكرت مصادر أخرى أن اليهودية وجدت في بعض الأوس من قبائل الأنصار .
وذكر في تاريخ ابن خلدون (808 هـ ) : ” قال ابن إسحاق ربيعة بن نصر بن الحرث بن نمارة بن لخم ولخم أخو جذام ” ، وقد سكنت جذام الشام منذ القدم فقد روي كما هو مشهور في معركة مؤتة 8 هـ نزول هرقل صاب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم. وانضمت إليه جموع جذام والغيد وبهرام وبلى، واستعانتا بهذا النص للتدليل على وجود جذام في عهود قديمة في الشام بأعداد كبيرة، ومن أحداث معركة تبوك 9هـ أن صاحب أيلة يومئذ هو يوحنّا بن رؤبة بن نفاثة من أحد بطون جذام وأهدى للرسول صلى الله عليه وآله وسلم بغلة بيضاء.
وقد ذكر ابن خلدون في تاريخه : ” وأمّا جذام واسمه عمرو بن عديّ أخو لخم بن عدي فبطن متّسع له شعوب كثيرة مثل غطفان وأمصى وبنو حرام بن جذام وبنو ضبيب وبنو مخرمة وبنو بعجة بنو نفاثة وديارهم حوالي أيلة من أوّل أعمال الحجاز إلى الينبع من أطراف يثرب “
وذكر أيضا : ” ويليهم من جهة الشرق بالكرك ونواحيها أحياء بني عقبة من جذام أيضا، ورحالة ناجعة تنتهي رحلتهم الى المدينة النبويّة. وعليهم درك السابلة فيما يليهم. وفيما وراء عقبة أيلة إلى القلزم قبائل من قضاعة ومن القلزم إلى الينبع، مع قبائل من جهينة.
ومن الينبع إلى بدر ونواحيه من زبيد إحدى بطون مذحج، ولهم الأمراء بمكّة من بني حسن حلف ومواخاة. وفيما بين مكّة والمهجم مما يلي اليمن قبائل بني شعبة من كنانة، وفيما بين الكرك وغزّة شرقا قبائل جذام من قضاعة في جموع وافرة، ولهم أمراء أعزّة يقطعهم السلطان على العسكر وحفظ السابلة، وينجعون في المشاتي إلى معان وما يليها من أسافل نجد “
ونشير أيضا لبنو عقبه وهي قبيله عربية جذامية قحطانية وهم أبناء عقبه بن عبيد بن مالك بن سويد بن زيد بن (أمية) بن الضبيب بن قرط بن حفيدة بن عمرو بن صليع بن نبيج بن عبيد بن كعب بن علي بن سعد بن أبامة بن عبيس بن غطفان بن سعد بن اياس بن عبيس بن حرام بن جذام ( البيان والاعراب عما بارض مصر من الاعراب للمقريزي ص 18و20) وفي ذكر منازل جذام قال ابن حزم الاندلسي (ت 456 هـ ): دار جذام حوالي إيله من أول عمل الحجاز وأما بقية بني عقبه عداً وجداً ونسباً واصلاً فإن منهم بنو حميدة في جنوب الأردن وهم بنو حميدة بن صالح بن راشد بن عقبه ومنهم بنو واصل بني حميدة ( البيان والاعراب عما بارض مصر من الاعراب ص16)
وعندما ارتحل ابن فضل الله العمري 745 هـ من مصر للشام وظل بطالا فيها جلس يستخبر ويدون فكتب كتابه ( مسالك الأبصار في ممالك الامصار ) وقد ذكر أخبار عديدة عن عرب الشام وجذام وعدد ما رواه الحمداني وروي له من العربان عن الفروع الكثيرة وعدد لهم احلاف مثل حلف بني الوليد وهم أولاد شريف النجابين، وذكر أن لهم نسبا في قريش إلى عبد مناف بن قصي، وذكر من ولد الوليد بن سويد طريف ابن مكنون.
ولم يأتي في ذلك ذكر الترابين ولا في تعديده لعرب الشام أي أننا نستفيد أن مؤلف المسالك للعمري نخرج منه بفائدتين:
1- تعديد لبطون جذام في الشام والعرب في محيطه
2- عدم ذكره للترابين أي أنهم حينها لا وجود لهذه القبيلة في الشام بالقرن الثامن الهجري فهذا الاسم غير معروف حينها أو أنها لم تنشأ بعد
الخلاصة: عرب جذام سكنوا الشام منذ القدم وتمددوا بعد الفتح الاسلامي لمصر ونواحيها وكان ارتحالهم في البادية لا يتجاوز أطراف المدينة المنورة، وتعتبر من الأجسام الكبرى القبلية في الشام.
الجزئية الثانية هي نصوص المؤرخين والتعامل السليم معها :
تدوين التأريخ وتدوين الأنساب هما نتاج بشري معرض للقصور والخطأ والنقص وفي بعض الأحيان الفرق في الدقة، ولا يعني أن المؤرخ مهما بلغ من مهارة في التدوين أن لا يقع في خطأ وفي نفس الاطار لا يعني أن المؤرخ الغير متمكن لا يذكر أجزاء من الصواب، فمعيارية الصواب والدقة تحكمها عوامل كثيرة واليوم نرى بحوث تأريخية تبين أن أوهام كثيرة وقع فيها المؤرخون، بل أن ابن خلدون كتب في ( أخطاء المؤرخين ) وبين الأسباب والعوامل ورغم ذلك فحتى ابن خلدون نفسه وقع في أخطاء مشابهة وصدرت بذلك دراسات تؤكد ذلك، بل وأن الروايات والأحاديث بتوفر أسانيدها تمر بمرحلة غربلة لدراسة سندها فتصنف ما بين صحيح وحسن وضعيف وفي حالة تعارض المرويات الصحيحة تعرض على معايير أخرى لتقديم الأدق على غيره فما بالنا بالتدوين في التأريخ الذي تهمل أسانيده ويجتهد مدونه حسب ما يتوفر له من الاستخبار والمصادر السابقة بل أننا اليوم وفي ظل التقدم التقني نعلم يقينا كيف أن كثير من الأحداث المهمة طمست وأغفلت أو تم نشرها وعرضها بصورة مغايرة للواقع فالفطن لا يقع في هذه الشبهات بل يتحقق منها بتجرد عاطفي ومسلك منطقي، وبالنسبة لذكر الأنساب في مجال التأريخ فالأمر أيضا له عوامله ولا يوجد فيها نص معصوم فمثلا ابن حزم الأندلسي في جمهرة النسب جعل ( بني حرب ) في بني هلال وهذا خطأ فادح نقله منه كثير ممن بعده وإلى اليوم بناء على هذا الخطأ فبني حرب من خولان الأزد القحطانية بتأكيد نسابة حرب ومصادرهم فهذا بنفس الوقت لا يعني أن ابن حزم الاندلسي كل ما جاء فيه خطأ بل أن الواقع يقول أن كل نتاج بشري معرض للأخطاء ولا كتاب معصوم سوى ما جاء به الوحي من رب العالمين وهو القرآن الكريم.
اطلعت على النصوص التي أوردها الجزيري رحمه الله وتوضيحا هو عبدالقادر بن محمد بن عبد القادر بن محمد الأنصاري الجزيري ولد 880 هـ وتوفي 977 هـ باحث حنبلي مصري سمي بالجزيري نسبة لجزيرة الفيل من أعمال مصر كما ذكر الزركلي في الأعلام، وله مؤلفات منها: درر الفرائد المنظمة في أخبار الحاج وطريق مكة المعظمة، خلاصة الذهب في فضل العرب، عمدة الصفوة في حل القهوة، ومجموع فيه أشعار ومراسلات وفوائد.
واختصارا ذكر الجزيري في درر الفرائد الترابين وذلك في الباب الذي جاء فيه فصل ذكر الأدراك وحدودها وطوائف العربان منزلا بمنزل ومنهلا بمنهل، وإيراد ما يفتح الله به من اسم تلك المنزلة وما فيها من المياه وصفتها وما فيها من المحارس وما يقرب منها من المياه المتواردة عليها طوائف العربان، حيث جعل الترابين في بني عطية وضم لبني عطية طوائف اخرى ورفعها فيما بعد لجذام، والظاهر بأنه جعل ظنه بأن الترابين لهم جد معروف باسم عطية فألحقهم ببني عطية وهذا وقع فيه كثير من الأفاضل بسبب تشابه الأسماء لأننا لو جئنا لمن تحقق من هذه الطوائف وهو البارون أوبنهايم الألماني في موسوعته البدو القيمة حيث كان يعمل على أخذ الأنساب من أهلها فذكر وناقش نص الجزيري : ( هناك تقرير من عام 955 هـ يذكر معلومات هامة عن تركيب بني عطية حسب هذا التقرير كان ينتمي لمجتمعهم آنذاك الترابين والاحيدات والحويطات والاحيوات ولكن لا يجوز أن نستنتج من ذلك أن هذه القبائل تنتمي من ناحية النسب إلى بني عطية ذلك أن حكايات الترابين عن نسبهم تثبت العكس كما أن حكايات الاحيدات والحويطات تشير إلى أن زعمائهم على الاقل هم من أصل غريب وهذا الوضع هو الذي جعلهم ينفصلون في وقت مبكر عن بني عطية ويشكلون مجمعات مستقلة وبينما هاجر الاحيداث من مقرهم القديم قرب العقبة إلى الشمال فقد انتشر الحويطات شيئا فشيئا في تلك المنطقة وطردوا بني عطية من منطقة الخليج ).
ولعلي أستذكر مثالا حيا فيما كان يعرف بحلف ولواء المنتفق في جنوب العراق فحينما كانت جميع القبائل المنطوية تحت اسم المنتفق رغم انهم من أنساب مختلفة فتوهم بعض المدونين في هذه الانساب مثلا أن السعيد التميميون هم من بني سعيد العامريون لتشابه اسم الجد لانهم كانا ضمن المنتفق نفسه ولكن بتفحص التاريخ والروايات تبين الاختلاف بينهما، بل أن المؤرخ العراقي ابراهيم فصيح بن صبغة الله الحيدري البغدادي صاحب عنوان المجد وقع في خطأ وشبهة تأريخية عندما ظن ان آل شبيب الذين تفرع منهم الاشراف ال السعدون هم من بني معروف امراء المنتفق وذلك ان بني معروف انقرضوا وأن آل شبيب مع آل العبدان وفدوا من الحجاز إلى البطائح وبعدها شاخ الاشراف السعدون على المنتفق والامر مشهور لا ريب فيه، وفي نفس الوقت ذكر حقائق عن أصول قحطانية كالبومفرج من طيء الموالي وبني عز الذين هم غير السادة واصلهم من حمير قحطان ولا زالوا مع قبيلة الموالي، وفي مثال قريب على أن من اشتغل في الانساب قد يخطئ في نسبه فكما وضح الشيخ حمد الجاسر لعباس العزاوي عن خطأه في نسبه العزاوية لسبيع والاصح انهم زبيد حيث ذكر رحمه الله في مجلة العرب : ( ومما ينبغي ملاحظته أن الصديق الكريم الاستاذ عباس العزاوي رحمه الله لا يعتمد على ما أورد في كتابه عشائر العراق عن أصول الأنساب فقد وقعت فيه أخطاء شنيعة في أصل قبيلة سبيع و أصل قبيلة حرب وغيرهما … وقد نبهته على ذلك عند اجتماعي به حين زرت بغداد وقد اقتنع برأيي ووعد باصلاح ماورد في الكتاب عند اعادة طبعه كما نبهته على خطأ وقع فيه حيث نسب مخطوطة للعمراني تلميذ الزمخشري فاطلعته على نص في مخطوطته بانها الفت في زمن الخليفة الناصر وذلك بعد عصر العمراني فاستغرب من كونه فاته الاطلاع على هذا النص والكتاب بين يديه وجل من لايغفل ولايسهو ). حمد الجاسر / مجلة العرب ج 9 و 10 س 24 الربيعان سنة 1420 ه ص 711، ونفسه الشبخ حمد الجاسر رحمه الله وقع في خطأ بنسبه فقد وضح الباحث الاستاذ فايز البدراني ان الشيخ حمد الجاسر رحمه الله من الشبول من بني علي من مسروح من قبيلة حرب وليس من سليم كما ذهب له في السابق وعلى اثر ذلك ذكر رحمه الله في مقدمة كتاب البرود ص17 : ( استفدت من مؤلفات حديثة في الأنساب للأستاذ فايز بن موسى البدراني الخربي وهو في رأيي خير من يعول عليه فيما كتب عن قبيلة حرب ).
ولنا ملاحظات مما أكده الباحثون على ما أورده الجزيري رحمه الله عن بعض الأنساب فنوجز منها قدر ما استطعنا:
1- قبيلة مزينة: ذكر الجزيري قبيلة مزينة في بلاد الحجاز وفي سيناء وقد ذكرها في عداد قبائل المنطقة فذكر مزينة في بلاد الطور في سيناء من فروع العليقات وذكر مزينة في بلاد الحجاز من فروع المراوحه من بني سالم من بني حرب فهذا الذكر ليس نصوص نسب إنما ذكر القبائل من ضمن الأحلاف ولم يفهم الباحثون والدارسون من نص الجزيري إن مزينة من المراوحة من بني سالم نسباً فالمعروف إن مزينة قبيله عدنانيه مضريه وقد دخلو حلفاً في المراوحه بينما دخل القسم الثاني في بلاد الطور في حلف مع العليقات . قال حمد الجاسر رحمه الله: مزينة من القبائل التي لا تزال معروفه ودخل بعضها كحلفاً في قبيلة حرب.
قال الشيخ عاتق بن غيث البلادي رحمه الله: قبيلة مزينة حالفت حرب في المراوحه من بني سالم فأصبحوا حربيين ونستزيد بقول الأستاذ فايز بن موسى البدراني الحربي: قبيلة مزينه العدنانيه المضريه دخلت في حرب القحطانيه أصبحت فيما بعد بطون منها بالحلف والمعروف إن قبيلة مزينه لها تاريخ حافل في الجاهليه والإسلام حالفت حرب دون أن تفقد إنتسابها العدناني. كما قال الأستاذ علي حسن العبادي: في حديثه عن قبيلة حرب دخلت في بني حرب قبيلة مزينه العدنانيه وهم من طابخه بن إلياس بن مضر.
2- قبيلة بني واصل: ذكر الجزيري أن بني واصل فرع من قبيلة العمرو أو من قبيلة الصوالحة نسبا وقد ذكر كل من نعوم شقير والدكتور عباس مصطفى عمار والاستاذ محمد الطيب أن المعروف هو انهم من بني عقبة من عرب الحجاز وهجرتهم للطور منذ عهد بعيد ( راجع : سلسلة كتاب المساعيد (1) قبيلة المساعيد ديارها القديمة نسبها وهجرتها للباحث راشد الاحيوي )
3- قبيلة الأحامدة: حيث عد الجزيري الأحامدة من فروع بني سالم من حرب ولكن المؤكد كما وضحه الشيخ عاتق بن غيث البلادي رحمه الله والشيخ حمد الجاسر رحمه الله حيث اتفقوا أن أصلهم من بني سليم باتفاق رواة حرب ( راجع : سلسلة كتاب المساعيد (1) قبيلة المساعيد ديارها القديمة نسبها وهجرتها للباحث راشد الاحيوي )
4- بدنات العايد: حيث ذكر أن العايد بدنتان الاولى عربان العليقات والبدنة الثانية عربان الصوالحة ، والصواب ان الصوالحة من بني حرب
5- قبيلة المساعيد: عد الجزيري المساعيد من بني عقبة القحطانية ، والصواب أنه ليس أكثر من حلف فالمساعيد الأرجح حسب ما أرى أنهم من قبيلة هذيل الحجازية وهجرتهم كانت من وادي الليث
وبعد تبيان ما وقع فيه الجزيري رحمه الله من الخلط فإن ليس كل نص يورده يؤخذ كما هو ولكن يحقق ويدرس فيبدو أنه رحمه الله اختلطت عليه بعض الأنساب فلم يعرفها بالشكل الدقيق والمضبوط لذا كانت هناك كلمة مميزة ذكرها الشيخ عاتق بن غيث البلادي رحمه الله : ( إن علم النسب في القبائل المتخالطة في السكن وفي الجوار أو المتحالفة لا يعرف حقيقة نسبها مضبوطا سوى ابن البيئة المقيم لا الرحالة المتنقل أو العابر )
ونعود للترابين الكرام فنجد أن ما ذكره أوبنهايم أيده عارف العارف في كتابه تاريخ بئر السبع وقبائلها ص77 : ” أن الرأي الشائع بين الترابين أن جدهم يدعى عطية وهو من الحجاز ومن قريش وقد كانت منازله في تربة شرقي مكة وهذا هو السبب في تسميتهم بالترابين ”
الخلاصة: الكمال لله وحده والجهد البشري فيه الصواب والخطأ وإن ما اجتهد فيه الجزيري هو ظن دخل في تشابه الأسماء وذلك أن الطوائف التي جمعها تحت بني عطية لا تقر ما ذكر وقد أكده المتأخرون بما تواتر من الموروث.
وصلنا لجزئية نسب الترابين وسبب تسميتهم ودلالة ذلك وبعض القرائن التي تصب في هذا المسار، وهنا نناقش موضوع الموروث فالموروث لا يستهزئ به وان كان مشوها بعض الشيء بسبب قلة الوعي والتقادم لانه بالنهاية مجموع روايات حملت في الصدور وتناقلتها الأجيال يحكي عن ما حدث في الماضي ولذا يعمل الاكاديميون من أهل الموروث بتحقيقه وفق الوسائل العلمية وموافقته مع الحقائق التأريخية، في رواية متواترة لا يعترض عليها معترض معتبر ينص الترابين انهم هاجروا من الحجاز فيما بعد القرن الثامن الهجري وهذا يؤيده عدم ذكرهم من ابن خلدون والعمري وأن هجرتهم جاءت بسبب انهم سابقاً كانوا يسكنون في وادي تربة وهو وادي يمتد من أعالي جبال السراة و ينتهي في عروق سبيع في الأطراف الجنوبية من نجد كما في الصورة التي توضح هجرتهم
وقد ظن البعض أن الترابين بقوم بسبب ان وادي تربة تقطنه قبيلة البقوم الكريمة فالعرف في التسميات والألقاب أنها تأتي من (تعلوقة) ومن ( التعلوقات) أن يلقب المرئ من الموطن الذي نزح منه فنجد عائلة المصري مثلا في لبنان وعائلة البغدادي في مصر وفي الكويت مثلا يوجد عندنا ( الفوادرة) والمشهور من الروايات التي سمعتها من بعضهم أنهم كانوا يسكنون الفاو فلما دخلوا الكويت سألوا عجوزا من أين أتيتم فأجابت ( من الفاو دري ) أي درجنا من الفاو فصاروا لليوم بعرفون بلقب الفودري وكذلك الفيلكاوية عندما تركوا منازلهم في جزيرة فيلكا ودخلوا مدينة الكويت صاروا يعرفون بالفيلكاوية وهذا لا تراعي فيه سلامة لغوية لانها تتبع منهج اللهجات التي لا تخضع لهذه القوانين فعندما يظهر لنا أن ( عطية ) الجد الأعلى للترابين مدفون في وادي وتير بسيناء أي أنهم لم يكونوا أساسا من وادي تربان الأجرد الذي بحثت ولم اجد له ذكرا في استقرار الناس، بل أنهم نزحوا من تربة وبعد تكاثرهم وسؤالهم كونهم غرباء على المنطقة آنذاك فافادوا انهم من تربة فصار واحدهم ينعت بالترباني.
ينص الترابين اجتماعا كما في وثيقتهم المتفق عليها بأنهم أبناء عطية بن نجم القرشي، وقريش قبيلة متعددة البطون وذكر سمير عبدالرزاق القطب في كتابه أنساب العرب ص66 : ( قريش : يطلق قريش في الوقت الحاضر على قسمين من الناس، الاول الاشراف القرشيون بقايا قريش سواء كانوا اشرافا أم من بقايا قريش المقيمين في منى وعرفات وما جاورها والثاني يطلق على فرع من فروع قبيلة ثقيف يسمى بقريش ومنه طبقتان بدو وحضر فالحاضرة تقطن في الأودية القريبة من الطائف كالوهط والوهيط والمثناة وسواها والبادية ما زالت تعيش عيشة البداوة على رعي الماشية واستثمار خيراتها )
فقريش قبيلة كبيرة جدا اليوم وفيها من الفروع الكثير وقد تحدث كثير من النسابة أن قريش ثقيف هي ذاتها قريش مكة ولكن بسبب اللحمة مع ثقيف تداخلت وتحالفت معهم وهذا الأمر واضح آياته منذ العصر الجاهلي.
فالواضح أن ( عطية بن نجم القرشي ) الجد الأعلى للترابين ممن سكنوا وادي تربة ثم هاجر هو ومن معه شمالا حيث وادي وتير بسيناء فسجل له حضورا واسما وتكاثر أولاده وحين سأل بنو عطية بن نجم عن المكان الذي نزحوا منه فذكر أنهم من وادي تربة فصاروا ينادون أحدهم بالترباني إلى أن اصبح عددهم كبير فتداخلوا مع لحمة قبائل أخرى وما لبث أن هذا الاتحاد أن انفصل لتصبح قبيلة الترابين اليوم من أوسع وأقوى القبائل في هذه المنطقة ولا يمنع ذلك أن تشارك فيما بعد بقية القبائل سكنها ومستقرها ويدخل فيها الاحلاف شأنها شأن أي قبيلة عربية اخرى
خاتمة ، قبيلة الترابين قبيلة كريمة لها تاريخ ناصع وعندما قرأت عن أعلامها وأفعالها فأيقنت تماما أنها من القبائل ذات الوزن الكبير والتاريخ المشرف فلم تخضع لسلطة طاغية ولا مستعمر لتعيش حرة أبية ولا زال إلى اليوم أبناءها يسطرون التضحيات الكبيرة في فلسطين المحتلة فك الله أسرها وحررها من الصهاينة لعنهم الله، هذا ما اجتهدنا فإن كان صوابا فتوفيق من الله وإن لم يكن كذلك فنرجو منكم العذر والسموحة
كتبه
السيد عبدالرحمن العزي الأعرجي الحسيني القرشي
أحدث التعليقات