عند الحديث عن شخصية عظيمة خلد اسمها في التاريخ حيث أعطت نتاجا ثقافيا علميا مهما يعتبر اليوم من المراجع الأساسية في الأنساب هو السيد هو جمال الدين أحمد بن علي بن الحسين بن علي بن مهنا بن عنبة الأصغر بن علي عنبة الأكبر ابن محمد – المهاجر من الحجاز إلى العراق – ابن يحيى بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن محمد الشهير بابن الرومية، ابن داود الأمير ابن موسى الثاني ابن عبد الله بن موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى ابن الحسن السبط ابن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع).
ولد في 748 هـ في الحلة حيث كانت معقلا للعلويين في القرن الثامن الهجري واحتوت على كثير من البيوتات العلوية فعلى الرغم من الاكتساح المغولي لأرض العراق وفزع أهل المدن للبطائح كما ذكر ابن الفوطي والهمذاني إلا أن هناك بيوت بقت مستقرة في مواضعها كالحلة وواسط وغيرها، تتلمذ في ريعان شبابه على يد النسابة الشيعي الشهير تاج الدين أبي عبدالله محمد بن القاسم ابن معية الديباجي (وفاته 776هـ)، ونهل منه علوم الفقه والحساب والأدب والشعر والتاريخ وعلم الأنساب، وصار من ملازميه وخاصته وصاهره. ومن الواضح أن أغلب زاده العلمي هو من تصانيف ابن معية ولعل مرجعه في ذلك مصنف ابن معية ( أنساب آل أبي طالب ) والذي يقع في عدة مجلدات على ما ذكر ولكنه مفقود اليوم ولا أثر له، ويعتبر ابن عنبة من طبقة الشهيد الأول فكلاهما روى عن العلامة الحلي عن طريق ابن معية. ويبدو من سيرة حياته أنه قام برحلات عديدة بعد وفاة ابن معية، فسافر إلى أصفهان وهراة وسمرقند ومكة ومذار (في دستميسان) واستفاد من علماء النسب فيهم وقد روى في مصنفاته عن تحققه من الأنساب ونسبة القبور لأصحابها الحقيقيين.
سنده في رواية النسب هي عن ابن معية عن علم الدين المرتضى بن جلال الدين عبدالحميد بن فخار بن معد الموسوي عن ابيه وجده عن جلال الدين عبدالحميد بن التقي الحسيني عن بن كلبون العباسي عن جعفر بن هاشم بن ابي الحسن العمري النسابة عن جده الشريف العمري عن شيخ الشرف العبيدلي. وقد نقل في مصنفاته عن مصنفات لمؤرخين مثل ابن فندق البيهقي فقد ذكر في عقب جعفر الملك بن محمد بن عبد الله بن محمد بن الأطرف (وقال البيهقي : أعقب من ثمانين رجلا ) وكذلك عن الشيخ أبو نصر البخاري مما يؤكد على أنه قدس سره كان واسع الاطلاع له منهجية فريدة تشتمل التحقيق والاطلاع والرواية المسندة مع حذره في ذكر جمله مما لا يثير ريبة أهل السطوة والنفوذ فقد كان يعيش في فترة الطاغية تيمورلنك وهو غير مأمون الجانب ومع هذا فعندما ألف له ( العمدة الكبرى ) انسر فيه وقبله خير القبول.
مصنفاته نفيسة منها نسخ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ( الكبرى – الوسطى – الصغرى ) وقد كتب جميع مصنفاته في كرمان وقد بدأ في تصنيف العمدة الكبرى والمرجح أنها كتبت ما بين ( 788-795 هـ ) ثم تلاها في مختصر بني هاشم الذي طبعه السيد مهدي رجائي سهوا باسم عمدة الطالب الصغرى وهي على الأغلب كتبت في 806 هـ حتى صنف زهوة مصنفاته وأجملها عمدة الطالب الوسطى المعروفة بالجلالية 813 هـ والعمدة الوسطى هي المتداولة اليوم والأكثر انتشارا ويتواجد لها أكثر من 120 مخطوط حول العالم مما يستعصي تزويرها أو التلاعب فيها بسبب مقارنة النسخ علاوة على ما لحق بها من مصنفات كتبت اعتمادا عليها مثل المشجر الكشاف للعميدي النجفي وتحفة الطالب للسمرقندي ومشجر أبو جميل وتشجير عمدة الطالب لابن زهرة الحلبي، وأخر نتاجه هو العمدة الصغرى والتي كتبت قبل وفاته على الأرجح في 820 هـ.
ومن مصنفاته أيضا الفصول الفخرية في أصول البرية بالفارسية، رتّبه على مقدمة وثلاثة فصول، عنوان مقدمته “في بيان منشأ النسل”. ذكر في هذا الكتاب أجداد البشر من آدم إلى نوح بالاختصار، ثم أولاد نوح أكثر تفصيلاً، وبتبويب أوضح، وذكر أعقاب كل من أولاد النبي نوح عليه السلام ولا سيما ملوك منطقة ما بين النهرين وإيران و بقاع ودول أخرى، ويمتد تدوينه للنسب إلى القبائل العربية قحطانيها وعدنانيها ومنها لأجداد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم متصلة بأبي طالب عليه السلام ، وأخيراً دراسة وتبويب أبناء أبي طالب عليه السلام على نهج عمدة الطالب بل ومطابقة إياه واسمها ( الفصول الفخرية ) وليست العمدة ، وهذا المصنف هو الذي وقع في وهمها وصحفها شيخنا آغا بزرك الطهراني قدس سره إلى ( النسخة المشعشعية ) فالمعلوم أن ابن عنبة توفي في 823 هـ ولم يدرك قيام الدولة المشعشعية في 856 هـ وإنما هو صنف هذا المصنف للسيد فخر الدين الحسين بن شمس الدين محمد الحسيني العالم في سبزوار وهو المصنف بالفارسية وعرف بالفصول الشمسية نسبة لمن صنفت له.
ذكر السيد ابن عنبة رحمه الله في أغلب مصنفاته تركيزه على الأصول الأساسية وبعض ما علمه من تفرعاتها ولم يحصي جميع الأعقاب حتى من أعقاب شيوخه، فعادة النسابين هو التركيز على الأصول الثابتة وأما ما تفرع منها فهي مسئولية أهل العلم من هذا العقب ينفون الدعي ويثبتون الأصيل وعلى ذلك جرت العادة فقال في مقدمة العمدة الوسطى (فحركتني العصبية وبعثتني النفس الأبية. على أن اصنف في أنساب الطالبيين كتابا يجمع بين الفروع والأصول. ويضم الأجذام الى الذيول ، ويستوعب شعب هذا العلم ويستقصيها ولا يغادر من فوائده صغيرة ولا كبيرة إلا ويحصيها) فهو هنا يشير بكل صراحة إلى ذكر الفروع في زمنه التي نعدها اليوم أصولا فيذكر عقب الحسني والحسيني والعلوي والطالبي بما علم من فروعه فكتب في أعقاب عقيل وجعفر أبناء ابي طالب عليهم السلام وفي عقب أمير المؤمنين من سبطه الحسن وذكر ( عقب زيد بن الحسن، عقب الحسن المثنى : عبدالله المحض ، ابراهيم الغمر ، الحسن المثلث ، جعفر ، داود ) وفي عقب السبط الشهيد الامام الحسين ( الامام علي السجاد : الجعافرة ، الموسوية ، الرضوية ، النقوية ، الاسماعيلية ، الباهرية ، الزيدية ، بنو حسين الاصغر ومنهم الأعرجية ، وعمر الاشرف ، علي الأصغر ) ومن العلوية أعقاب ابن الحنفية وأبو الفضل العباس عليه السلام و العمرية العلوية، فذكر هذه الأصول وألحق ما عهد لزمانه من الفروع وما يصح العقب منه وما لا يصح وحال لبعض الأدعياء ليكون هذا الكتاب بحق عمدة الطالبين لنسب آل أبي طالب في كل زمن فهو حتى اليوم يعتبر الأساس في تصحيح الكتب المتقدمة كون المتقدمة عن زمانه معرضة للتصحيف والتحريف لتقادم المصنف وتناقله عبر أكثر من ناسخ، ومن أجود نسخ عمدة الطالب الوسطى هي نسخة ابن مساعد الحائري كتبت في 893 هـ وكذلك نسخة نقيب خراسان ونسخة ابراهيم المنسوخة في 983 هـ.
رحم الله ابن عنبة الذي ترك لنا هذا التراث الفريد من نوعه في الأنساب والذي صار عمدتنا في الأنساب الطالبية ومما ذكرته هي فوائد جمعتها ومنها معلومات قيمة أفاضها علي شيخنا في فن الأنساب السيد علاء الموسوي وفقه الله.
أحدث التعليقات