السيد وزير الدولة، لا شك أن العبارة الواردة في عنوان الرسالة فاجأتك، وقد ترى أنها غير مناسبة، أو في غير محلها حتى.
ومع ذلك يبدو استعمالها ضرورياً بالنسبة لي، لأنه هناك إكراهات قانونية أملتها علي. ولتبرير مناسبة استعمال هذه العبارة، سأستند إلى مقتطفات من خطابين لجلالة الملك وفصلين في الدستور: في الخطاب الملكي أكد جلالة الملك ما يلي: “لقد أصبحتم الآن أعضاء في الحكومة، وأنتم مدينون لأنفسكم باحترام الأحكام الدستورية.
النص الكامل الذي نشره موقع “لكم” كالتالي:
هذا الجهل أريد له أن يكون، وتم تشجيعه من طرف المستفيدين منه. إن التنازلات الصغيرة تتحول في مع مرور الوقت إلى تنازلات كبرى، كما أن الخوف والمخاوف الصغيرة تتحول مع مرور الوقت إلى خنوع واستسلام. إن ما يتغذى عليه الشطط في استخدام السلطة هو خوفنا وخنوعنا اليومي. السيد وزير الدولة، عندما دخلت إلى مكتبك الكبير الواسع، سألتني بنبرة سلطوية حادة لا تخلو من احتقار: “شكون نتا؟” الجواب تعرفه بالطبع حيث أتيحت لنا الفرصة للتعريف بأنفسنا في مرات عديدة. لكن سؤالك له معنى آخر وهو التنمر. هكذا على الأقل شعرت به.
هل لأنك ربما كنت على يقين أن الحكومة التي تنتمي إليها ستحصل حتماً على الأغلبية اللازمة لتنصيبها؟ ومع ذلك فإنك لا تنتمي إلى أي حزب أو كتلة وبالأحرى إلى أغلبية. بإقدامك على ما قمت به، ألم تحكم مسبقاً على تصويت البرلمانيين؟ إذا كان الأمر كذلك، ألم تتحكم بهذا في قرارهم وإرادتهم الحرة واختيارهم الحر؟ على أية حال، وكيفما كان الحال، هذا لا يغير شيئا من المشكلة المطروحة، ألا وهي أنك قمت، مرة أخرى، بممارسة سلطة لا يخولها لك أي نص قانوني بصفتك وزيراً بسيطاً معيناً ينتظر تنصيب الحكومة التي ينتمي إليها.
وبإشارة عنيفة طلبت منا مرة أخرى أن نجلس، وهذا سلوك آخر يهدف إلى التنمر، ثم، خاطبت السيد معنينو وطلبت منه أن يفتح ملفه، ففعل. لتظهر نسخة لمقالي وقد تم تسطير بعض مقتطفاته بعناية، وبدأ الكاتب العام استعراض قائمة طويلة من المظالم التي اتُهمت بها. هكذا اتُهمت بأنني كتبت أن الانتخابات تزور دائماً منذ 20 سنة،
واتُهمت بأنني كتبت أن المغرب يعيش في ظل نظام الحزب الوحيد، الذي يسمى بالحزب السري. واتهمت..إلخ … لقد تحول الكاتب العام في وزارة الإعلام إلى وكيل للنيابة العامة يقرأ لائحة تهم حقيقية. وتحول مكتب وزير الداخلية، بالنسبة لي، إلى محكمة تفتيش وكنت أنتظر أن أرى بجانبي في قفص الاتهام، الأستاذ بوستة والسيد اليوسفي والسيد بنسعيد وحتى السيد عصمان وأحرضان والمعطي بوعبيد وعلي يعتى، لأن هؤلاء جميعا قالوا علناً إن الانتخابات الأخيرة كانت مزورة، وأن الإدارة التي أشرفت على إجراء هذه الانتخابات هي المسؤولة عن هذه الخروقات. كما تبادرت إلى ذهني تصريحات الملك الحسن الثاني التي منع فيها على الإدارة أي تدخل في العملية الانتخابية.
السيد وزير الدولة، حتى إذا اعتبرنا أن حكومتك حصلت على ثقة البرلمان، فلا يوجد هناك قانون يخول لك سلطة استدعائي إلى مكتبك في مقر وزارة الداخلية.
بمراسلتك أود أيضًا إرضاء فضول لم تتوقف أبداً عن مراودتي خلال اللقاءَات القليلة، والقصيرة دائماً، التي جمعتنا وكانت تفتتح بهذا السؤال البسيط: “شكون نتا؟”
بمراسلتك وددت أن أمارس تلك الشفافية التي غالباً ما تفتقر إليها نقاشاتنا وتدافعاتنا السياسية، والتي ستمكن شعبنا بالحكم بنفسه.
“استنطاق” اتهموه فيه بالرغبة في محاربة المحتل الفرنسي والدفاع عن مغرب حر ديمقراطي، وانتهى الأمر بالباشا البغدادي أن أمر أحد خدمه بضرب والدي تحت أقدامه مرات عديدة (الفلقة). لقد حدث هذا قبل سبعين سنة. هكذا، السيد الوزير، انتزعني صوتك من تلك اللحظة حيث توقف الزمن وسمعتك تقول: “أقوى منك وأفضل منك قمت باعتقالهم”. ما أجبت عليه قائلا: “هذا قدرنا، ولا يخيفني أن أذهب إلى السجن”. ـ “أخرج”.. وفتحت الباب.
أبلغني الكاتب العام لوزارة الإعلام في مكالمة هاتفية، بضرورة الحضور إلى وزارة الداخلية، 120 دقيقة فقط قبل الموعد المحدد للاجتماع. لا شك أنك تتفق معي على أنها أساليب أقل ما يمكن قوله أنها عجرفة تفترض مسبقاً أنني، بصفتي مواطناً، لا أستطيع التصرف في وقتي بحرية، ويجب أن أكون متاحاً في جميع الأوقات لتلبية الاستدعاء من أي وزير.
كيفما كان الداعي، لا شيء يبرر قانونياً استدعائي إلى إدارة لا علاقة لي بها، أي وزارة الداخلية. يمكنك أن ترد علي بأنك مسؤول أيضاً عن الإعلام. في هذه الحالة، أقل ما يمكن فعله هو أن ينعقد الاجتماع في وزارة الإعلام. إن اختيار المكان له دلالته ورمزيته. طبعاً، لم يتم إبلاغي أبداً بسبب الاستدعاء.
بعد سبعين سنة، يبدو المغرب وكأنه بقي على حاله لم يتغير. السيد الوزير، بتهديدي، وجعلك الكاتب العام لوزارة الإعلام يلعب دور المحقق، ألم تقم بخرق جميع القوانين وعصفت بشكل صارخ بمبدأ فصل السلطات الذي ينص عليه الدستور؟ ألم تتحول إلى شرطي ووكيل للملك وقاضٍ وقاضٍ للتحقيق؟ وفق أيّ قانون وأيّ حق وأيّ دستور تصرفت؟ باسم أي نص قانوني يستطيع الكاتب العام للوزارة أن ينصب نفسه مدعياً عاماً وهو الذي يشغل وظيفة إدارية وليست سياسية؟ كيف يمكن لي أن أصدق في ظل هذه الظروف إمكانية تحقق حرية حقيقية للصحافة في بلدي؟ كيف يمكن لي أن أصدق أنني في دولة الحق والقانون؟ نعم، لقد كنت محقاً عندما لم أشارك في الندوة التي نظمتها حول الإعلام قبل حوالي تسعة أشهر. لو شاركت فيها، لكان كل ما قمت به هو ترسيخ مثل هذه الممارسات المناهضة للديمقراطية، والمساهمة في إيهام الناس بأن حرية الصحافة في بلادنا حقيقية، وأنها لا ترتبط بمزاجك.
آمل أن تحميني القوانين من هذا المزاج! لكن جلالة الملك الحسن الثاني ظل يصر في جميع خطبه على ضرورة ضمان هذه الحرية. وهنا، مرة أخرى ، يطرح نفس السؤال المزعج: لماذا لا يتم تطبيق هذه التعليمات الملكية حرفياً؟ السيد وزير الدولة، في مقالي الذي جرّمتموه، أصررت مرتين على دور الملكية في بلادنا، وأوضحت أن معركتنا تكمن في تقوية ملكيتنا في إطار ملكية دستورية ديمقراطية. وهذه قناعة راسخة وضرورة أملاها ماضي ومستقبل بلادنا.
لكي ندرك مدى عبثية الموقف، دعنا نطلق العنان لخيالنا. دعنا ننتقل إلى الولايات المتحدة أو فرنسا أو بريطانيا أو ألمانيا أو باختصار إلى بلد ديمقراطي حقيقي. هل يمكن أن نتخيل أن رئيس تحرير”لوموند” أو “ليبراسيون” أو “واشنطن بوست” أو “الجارديان” يتلقى اتصالاً هاتفياً يأمره بالمثول أمام وزير الداخلية؟ لأن وزارة الإعلام لا وجود لها في تلك العوالم. إن مثل هذا الوضعية، ببساطة، لا يمكن تصورها في تلك البلدان. وإذا حدثت، بمحض الصدفة، فإن الفضيحة التي ستحدثها ستؤدي إلى إقالة الوزير المعني.
بمراسلتك وددت فقط أن أنقل لك أفكاراً ذات طابع سياسي وقانوني وأخلاقي أملاها ذلك “الاجتماع” الذي جمعني بك لبضع دقائق في مكتبك في وزارة الداخلية بحضور مديري في الجريدة، والكاتب العام لوزارة الإعلام، السيد معنينو، وأحد مساعديك المقربين الذي لا أعرف اسمه، لأن لا أحد كلف نفسه عناء تقديمه لي كما تقتضي اللياقة.
يحصل على هذه الثقة بعد أن تصوت أغلبية النواب على التصريح الحكومي الذي تتقدم به حكومته أمام المجلس الموقر. وطالما لم يتم الحصول على هذه الثقة، يظل الوزير المعين مواطناً بسيطاً، مثلي، يتولى تدبير الشؤون اليومية. هل هذا يعني، السيد الوزير، أنك لست مخولاً بتاتاً أن تستدعيني إلى مكتبك، وتلقي علي الخطاب الذي ألقيته علي؟ هذا هو الخطأ الأول.
إن تنديدنا بالتزوير، والخروقات التي طبعت الانتخابات في بلادنا منذ سنوات طويلة، وممارسات الحزب السري، ذلك الحزب الإداري الذي حول نفسه إلى حزب وحيد، له هدف وحيد وهو بناء دولة حق وقانون حقيقية، وضمان استمرارية ملكيتنا الدستورية.
لعلك بذلك انتهكت الدستور، وتجاوزت التعليمات الملكية الواردة في خطاب صاحب الجلالة المذكور أعلاه، وبذلك، أيضاً، وضعت نفسك خارج القواعد التي تحكم دولة الحق والقانون. السيد وزير الدولة، لا أستطيع أن أمنع نفسي عن التساؤل حول الأسباب التي دفعتك إلى التصرف بهذه الطريقة.
أما في ما يخص فصول الدستور، فإن الأمر يتعلق بالفصل 74 (…). أنا على يقين يا وزير الدولة، وأنت أستاذ للقانون، أنك ستتفق معي على أن الوزير، من وجهة نظر القانون الدستوري، لا يصبح وزيراً بالمعنى الكامل، أي أن يتمتع بسلطته كاملة، والصلاحيات المخولة له ضمن حقيبته، إلا عندما تحصل حكومته على ثقة البرلمان.
في بلدنا، للأسف، أصبحت هذه الانتهاكات هي القاعدة. السيد وزير الدولة، هنا أيضًا ، أعترف أننا، كمواطنين وصحفيين، نتحمل قدراً كبيراً من المسؤولية في هذا الوضع. ذلك لأننا قبلنا قواعد لا يفرضها علينا أي قانون، ولأننا حنيْنا ظهورنا، ونسينا أن لدينا عمود فقري وظيفته الأساسية هي الوقوف بشكل مستقيم ورفع الرأس، وصرنا نجهل أن بلدنا يتوفر على مجموعة من القوانين التي تدافع عنه.
قال الصحافي الراحل خالد الجامعي، في رسالة موجهة إلى وزير الدولة السابق، إدريس البصري سنة 1993 “شكون أنت”، مؤكدا أنه يريد فقط “ممارسة حقه المشروع في الرد عليه”.
إن السعي في هذا الاتجاه يمثل تحدي “رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه”، وأقصد بذلك الصمت وعدم التنديد بما يضر بهذا الهدف الذي حددته معارضتنا لنفسها بشكل قانوني. إنني في المعارضة منذ أكثر من 24 سنة، ولا أملك سيارة، ولا منزلاً، ولا حساباً بنكياً.
وأنا أراسلك، لا أبحث عن التحدي، ولا عن الاستفزاز، ناهيك عن أي إشهار.
السيد وزير الدولة، أعترف أنني ارتكبت خطأً فادحاً لأن لا شيء يلزمني قانونياً أن أرضخ وأمتثل. هل فعلت ذلك بدافع الخوف؟ أم من باب المجاملة؟ أم تضامناً مع مديري؟ ربما تكمن الإجابة في الربط بين هذه الدوافع الثلاثة. وقد يكون أيضاً لأن هذه الممارسة أصبحت شائعة، وتحولت، على مر السنين، إلى واحدة من تلك القوانين غير المكتوبة التي انتهى بها الأمر إلى الدخول في لائحة الأعراف التي لا تزال تعيق بناء دولة الحق والقانون.
لكنني لم أتغير، وبقيت مبادئي ثابتة على الدوام، تلك التي تعلمتها من الفقيه الغازي، وبوشتة الجامعي، وبوشعيب اليزيدي، والمختار السوسي، والحاج عمر بن عبد الجليل، والهاشمي الفيلالي، وعلالالفاسي، مغاربة تعلمت منهم، في بيت والدي في درب السبنيول زنقة 12، رقم الدار 9، في درب السلطان بالدار البيضاء، المعنى العميق لهذه المقولة التي قالها الخليفة عمر بن عبد العزيز منذ قرون: “السلطة قدوة وليست قوة”.
هذا الكلام موجه بشكل خاص إلى وزيرنا الأول: يجب على الحكومة أن تعرض في أسرع وقت ممكن برنامجها الذي يجب أن يتضمن الخطوط العريضة لسياستنا الاقتصادية والمالية والاجتماعية، وسيناقش من طرف البرلمان وفقًا للمسطرة التي حددها الدستور المعدل. وعندما ستنال ثقة البرلمان، ستكلفون بشكل نهائي بوزاراتكم”. (خطاب ألقي يوم 11 يناير 1993).
وأنا أراسلك، أريد فقط أن أمارس حقي المشروع في الردّ عليك.
هل أجبتك على سؤالك المتكرر “شكون نتا”؟ لقد تحدثت إليكم من مواطن إلى مواطن، لأن الوزير، وإن كان وزير دولة، يجب أن يكون مواطناً أولاً، وإلا فكيف يفهم مواطنيه؟ مع خالص التقدير وبدون ضغينة. خالد الجامعي الرباط في 22 نوفمبر 1993.
أحدث التعليقات