الاجتهاد في عصر الخلفاء الراشدين :
يُقسم تاريخ الاجتهاد في الإسلام إلى أربعة عصور :
الأول
اصبح الاجتهاد بعد وفاة الرسول ضرورة ملحة، ولم يعد عنه مناص لزوال مرجعية الاعتماد على الوحي والسنة، ولكون الفتح الإسلامي أخذ يمتد خارج الحزيرة العربية، وكان عليه أن يستوعب حضارات مختلفة لها قضاياها ونوازلها ومستجداتها، ولشعوبها أعراف وتقاليد وأنماط حياة مختلفة، مما لا عهد به لمسلمي البعثة النبوية من قبل، ولا للأجيال العربية الإسلامية الصاعدة في كنف الخلافة الراشدة. وقد وضع كل ذلك على الحكم الإسلامي تساؤلات كان عليه أن يجيب عليها، بإغناء التشريع والتنظيم وسد الثغرات حتى لا يبقى في المنهج الإسلامي فراغ.
وفي مواجهة ذلك كله، اعتمد المسلمون منهجية مضبوطة لمؤسسة الاجتهاد تحقق غاية سد الثغرات، مع التقيد باصول التشريع من كتاب وسنة وإجماع، وعمل الصحابة وآرائهم.
والثاني
والرابع
وبمقتضى ذلك كانت هذه المنهجية تقوم على عهد الخلفاء الراشدين على مسلسل رباعي : هو البحث أولا في كتاب الله عن أحكام المستجدات، فإن لم يوجد فيه نص لجأ المجتهد إلى نصوص السنة النبوية الثابتة، فإن لم يجد فيها لجأ إلى صحابة رسول الله العارفين بالأحكام الشرعية، فإن لم يجد عندهم الأجوبة اعتمد رأيه. وقد أضاف عمر إلى هذا المسلسل (بعد أن أصبح الخليفةَ الثاني) النظر في أقضية سلفه أبي بكر الصديق، بعد النظر في الكتاب والسنة، وقبل أن يستشير ويجتهد.
عصور الاجتهاد في تاريخ الإسلام
وقد ارتأينا بمناسبة شهر رمضان المبارك، أن ننشر على حلقات بعضا من هذه المقالات المنشورة في الكتاب المذكور أو غيره، تعميما للفائدة ومساهمة منا في نشر فكر عبد الهادي بوطالب الذي يعد من رواد الفكر الإسلامي التنويري.
ونقرأ في تاريخ الإسلام أنه كان بجانب الخليفة مجلس شورى نطلق عليه اسم مجلس الاجتهاد. وكان أبو بكر أول من أسسه إثر توليه الخلافة، وفعل عمر ذلك أيضا.
الحلقة (12)
والثالث
وجاءت بعد ذلك فترة خامسة هي عصور توقف الاجتهاد والاكتفاء بالتقليد والاتباع. وهي فترة ما تزال مستمرة إلى قرننا هذا، إذا ما استثنينا بعض الجهود المعاصرة لإغناء الفقه باجتهادات فردية أو جماعية محدودة، لا تملك سلطة فرضها على المجتمع الإسلامي عبر العالم ككل لا يتجزأ.
من بين القضايا التي استأثرت باهتمام الأستاذ الراحل عبد الهادي بوطالب، قضايا الإسلام المعاصر. اهتمام الفقيد بهذا الموضوع، يعود من جهة إلى كونه من خريجي جامعة القرويين ، عالما علامة، ومن جهة أخرى إلى كونه تحمل مسؤولية مدير عام للمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم في مرحلة احتل فيها النقاش حول ما سمي بالصحوة الإسلامية، بعد الثورة الإيرانية، صدارة الأحداث والاهتمامات السياسية والفكرية في ذلك الوقت، حيث يجدر القول، بأن نفس القضايا مازالت مطروحة إلى اليوم، والتي خاض فيها الأستاذ عبد الهادي بوطالب بالدراسة والتحليل عبر العديد من المقالات والمحاضرات التي نشر البعض منها في كتاب من جزأين، تحت عنوان، “قضايا الإسلام المعاصر”. وهي كتابات مازالت لها راهنيتها.
جاء في تاريخ التشريع الإسلامي للخضري : “كان الشيخان أبو بكر وعمر إذا استشارا في حكم أشارت به هيئة الشورى تبعه الناس ولا يسوغ لأحد أن يخالفه”. وذلك يعني أن مجلس الاجتهاد هذا كان هيئة تشريعية تنظيمية تقريرية نافذة الأحكام والقرارات. وبهذه الطريقة قلت الخلافات في الأحكام على عهد هذين الخليفتين.
أحدث التعليقات