وعندما تقول المندوبية أن العنف قد تراجع سنة 2019 مقارنة ب 2009 ،فهذا لا يستقيم والواقع الذي نعيشه يوميا، وأن هناك خلل في منظومة القياس برمتها.
كيف يعقل ذلك، تزداد الديمغرافية، وينمو وعي النساء، وينضاف العنف في الفضاء الأزرق، وتزداد كل محفزات العنف من فقر وبطالة وهشاشة، وتحتد معها الأزمة المركبة القيمية والمجتمعية متوسلة في ذلك ما يتيحه عالم التكنولوجيا وما يمليه من تحوالت عنيفة في طور العصف ب”استقرار” المجتمع األبوي؛ كيف ال والحالة هذه أال ترتفع اشكال العنف، أمر لا يصدق حقيقة. علما أن البحث الوطني ولم شمل الفئة العمرية بين 18ـ64 سنة، بينما البحث الثاني وسع الفئة العمرية من 15سنة إلى 75 سنة، ورغم هذه الفرق الجوهري ذي الصلة بالعينة، سيتم القيام بمقارنة بين فئة 18ـ64 سنة في التقريرين للخروج بخالصة عامة أن العنف قد تراجع عموما بستة نقط، وهو ما لا يستقيم لا منهجيا ولا واقعيا، و مبرر له سياسيا. كما هو الشأن بالنسبة للمذكرة المتعلقة بالعنف المرتكب ضد النساء، فالمذكرة العنف ضد الرجال تتكلم عن جزئين االول وهو الذي تم نشره ويتعلق برصد مدى انتشار ظاهرة العنف ضد الرجال، مع جزء ثان سوف يتم الفصح عنه الحقا حول تمثالت الرجال لهذه الظاهرة على أساس مفهومي السلطة والسيطرة المرتبطتين بالعالقات النوع وهو الوارد ضمن التقرير الشامل المذكور اعاله. إن بالغ العنف الممارس على الرجال يوحي أن األمر يتعلق بالعنف الممارس على الرجال من لدن النساء. وعلى كل حال هذا ما سيخرج به أي مطلع ليس له صبر القراءة الكاملة للبالغ. وهو ما عكسته بعض المنابر الإعلامية ، فعلى إذاعة أطلنتيك يختم المذيع استجوابه مع إحدى النسائيات قائال ” … وهكذا فإن العنف لا لون له ولا جنس”، ويختم رشيد الهالوي استجوابه في بودكاست بجريدة لومتان قائال: faut il« … الممارس بالعنف يتعلق الأمر أن والحال. démystifier alors la violence contre les femmes » على الرجال في معظمه من لد الرجال أنفسهم، ولا يتعلق الأمر بالنساء إال في جزء من العالقات الأسرية والحميمية خارج إطار الزواج الذي سجل النفسي منه نسبة مرتفعة. إن الأرقام التي أتت بها المندوبية السامية لا قيمة لها معرفية بالنسبة لمؤسسة رسمية من مهامها انجاز القياسات عبر البحوث قصد االستهداف بسياسات عمومية. إذ لا تعرف الغاية السياسية الموجودة خلف هذه المعطيات الخاصة بالعنف الممارس عموما على الرجال من طرف الرجال، ولا السبيل الجتثاثه.
وهكذا وفي سياق اجتماعي مطبع مع العنف ضد النساء تؤكده كل الدراسات واستطالعات الرأي، تفتح المؤسسة الرسمية الباب على مصراعيه للتشكيك في خصوصية العنف الممارس على النساء مجهضة كل المجهودات المبذولة إلحداث التغيير في العقليات، لا يوجد مجال للشك في أن الرجال يعانون من بعض أصناف التمييز على أساس جنسهم وعلى أساس أدوار السيادة التي يتربعون عليها، مما يحرمهم من أن ينعموا ببعض شروط “الضعف” البشرية التي تصيبهم على المستوى الانساني أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الجسدي في فترات من حياتهم، او قد يكونوا قد اختاروا بمحض إرادتهم ألا يتقمصوا أدوارا لم يختاروها.
وبحكم موقع السيادة المفروضة على جنس الذكور في المجتمعات الأبوية، يتعرضون، كلما أخلوا في القيام ببعض الأدوار الرجولية، للتنكيل والترحيل إلى شرط النساء وبال شفقة حيث ينكل بهم من لدن النساء أيضا وبعنف، ويطلق عليهم نعت ” امرا” أو ” انسيوة”.
وقد نشرت هاتان الأخيرتان تباعا خلال الأسبوعين الأولين من أبريل الجاري.
فأن تشرك المندوبية السامية الجمعيات وتنقلب على المرجع الوطني واألممي، فهذا ال ينم إال على فهم مجانب للمعايير من طرف هذه المؤسسة. كما أن هذا يسائلنا جميعا جمعيات وأفرادا على طريقة تعاملنا مع الأرقام التي تنتجها المندوبية. إننا نقبلها وكأنها الحقيقة ولم نسائلها أبدا ألننا عشنا مرحلة تزيد عن ثالثة عقود كان فيها همنا هو اإلقناع بان هناك عنف يطال النساء يوميا وفي كل الأماكن وبالخصوص في الأسرة التي كان ينتظر ان تشكل مأمنا لهن. لقد آن ألوان للتعامل بحذر شديد مع ما ينشر من معطيات ولو كانت رسمية، بل وأن نؤكد على أن ارقام العنف مخيفة جدا وبالخصوص في العالم القروي.
وقد اعتمدت المندوبية السامية المقاربة التشاركية باالنفتاح على الجمعيات النسائية ذات الخبرة في مجال فهم العنف الممارس على النساء ومناهضته في عملية الرصد، وهو أمر مطلوب جدا للحصول على أجوبة قريبة من الواقع.
رصدت المذكرة الأولى العنف ضد النساء والفتيات وقد نشرت بمناسبة الأيام الأممية لمناهضة العنف ضد النساء لسنة 2020؛ والمذكرة الثانية رصدت العنف ضد الرجال والفتيان؛ والثالثة قامت فيها بمقارنة كمية صرفة على أساس مبدأ المساواة بين النساء والرجال في إمكان التعرض للعنف أو ممارسته على حد سواء.
فيصبح الرجال في هذه الحالة منبوذين خارج المدينة الذكورية، وهذه الوضعية يعيشها المثليون وغيرهم من فئات الرجال الفاقدين “لألهلية” الأبوية. إن الرجال بلا شك لا يتمتعون بالحرية في تبني شروط أخرى غير تلك التي حددها لهم العقل الجمعي الذكوري، كأن لا يكونوا أبناكا مفتوحة ليل نهار بين أيدي النساء، وألا يتقمصوا أدوار الدركي بالبيت، وألا يكونوا بالضرورة خشنين…ألخ.
فلم تكن المناضالت النسائيات اللواتي شاركن في عملية البحث الميداني راضيات على المنهجية وسجلن خروقات عديدة من زاوية النوع تم إبالغ المندوبية بها. على سبيل المثال ما قام به المرصد المغربي عيون نسائية. إن إشراك الجمعيات النسائية في هذه النوع من العمل توصي به منظمة الأمم المتحدة في الإعلان الأممي لمناهضة العنف ضد النساء، ولكن هذا الإشراك غير مستوف لشروط المقاربة التشاركية كما هو منصوص عليها في الوثيقة الدستورية عالقة بالمجتمع المدني الذي وجب إشراكه منذ المراحل األولى للبحث الوطني وليس في محطته الميدانية.
وهذه تجربة تستلزم الخروج من الدروس بالنسبة للجمعيات الشريكة للمندوبية في البحثين الوطنيين النتشار العنف الممارس على النساء.
هذه الفئات بالتأكيد قد تتعرض للعنف وبشدة من لدن النساء المستبطنات، وهن الأغلبية، للعقلية الرجولية، فالبحث حول العنف ضد الرجال كان باألحرى أن يستند على هذه األرضية في المقاربة والتحليل، إن كان الهدف هو فهم ظاهرة العنف المبني على النوع الممارس على النساء. إن العنف الممارس على بعض الفئات من الرجال يجب أن يصنف في خانة العنف الممارس على النساء لا أن المجتمع الذكوري ال يعترف بهؤلاء كرجال. ولهذا فإن العنف ضد الرجال كما قدمته المندوبية يبقى سجين تحليل صوري أجوف، لا فائدة منه علميا وسياسيا وينطوي على تناقضات نوعية وكمية، ولا ينم إلى ممارسة جديدة لتعميق التمييز الجنسي ضد النساء وتقويته عن طريق “علم الإحصاء”. وعلى سبيل المثال الا الحصر، كيف يمكن تفسير أن يكون العنف النفسي يشكل أكبر عنف يتعرض له الرجال، 94 ،%وهم لا يعتبرونه عنفا أصال إلى بنسبة 19% إنه تقرير مغرض وغير محايد وهدفه تبخيس العنف وعمقه ضد النساء وإن نطقوا بعكس ذلك، لا أن لا تفسير لعنوان البحث الذي يساوي بين النساء والرجال عالقة بالظاهرة )”: البحث الوطني حول العنف ضد النساء والرجال لسنة 2019 .)”
وقد شاركت فيه مجموعة من الجمعيات النسائية في مرحلته الميدانية. هذا البحث حسب المندوبية تم في كل التراب الوطني ومس 12 ألف فتاة وامرأة و3000 فتى ورجل من الفئة العمرية بين 15 و 74 سنة، خالفا للتقرير الأول لسنة 2009 الذي لم يشمل إلى الفئة العمرية 18و64 سنة، كما ان تصميمه حدث عليه تغيير، إذ اعتمد “منظورا أوسع” لفهم مختلف أشكال العنف في صفوف الضحايا ومرتكبيه في مصدره المزدوج الأنثوي والذكوري وذلك بغية تحليل التوارث االجتماعي لهذه الظاهرة تماشيا مع المتطلبات الإحصائية ألجندة 2030
ويسائل أيضا المجلس الوطني لحقوق الإنسان عن رأيه باعتباره مؤسسة دستورية تعنى بقضايا النوع من ضمن ما تعنى، تنشر المذكرات الثالثة المعطيات الخاصة بالعنف التي استقيت من البحث الوطني للعنف ضد النساء والرجال، والذي تم القيام به في إطار البحث الوطني لوقائع الحياة لدى النساء والرجال الذي قامت به المندوبية السامية للتخطيط خالل ستة أشهر بين فبراير ويوليوز2019 حول مستوى عيش الأسر المغربية.
وهو ما يجعل المندوبية السامية ومعها المغرب الرسمي محط مساءلة من لدن المجتمع المدني وبالخصوص في شقه النسائي والحقوقي، بل ويسائل أيضا منظمة األمم المتحدة للنساء بالمغرب عن رأيها وهي شريك للمندوبية في هذه العمل.
وإن كان التقرير يشمل جميع أصناف المعنفين للرجال من الرجال ايضا وهم الأغلبية، فإنه يوحي بأن النساء هن المعنفات الرئيسيات لهم، لنشر خالصة أن النساء لسن فقط ضحايا للعنف ولكنهن جالدات أيضا. قد تكون بعض النساء جالدات في سياقات خاصة جدا، لكن هذه لا يحميهن من التمييز والتحقير والالمساواة في السياق المجتمعي على أساس جنسهم. وهذا فرق كبير جدا يحتاج للتمييز من حيث المنهج والمقاربة في التحليل.
أحدث التعليقات