عند بدء مرحلة التخطيط لأي تطبيق لابد من طرح سؤال حول آلية التسويق أو الوصول إلى الشريحة المُستهدفة من المستخدمين، صحيح أن الفكرة قد تسوّق لنفسها، لكن في البداية يجب أن تكون هناك خطوات وحملات مدروسة بعناية من أجل هذه الغاية.
ولو حالفك الحظ عزيزي القارئ وقمت بإطلاق مشروع على الإنترنت، أو قناة على يوتيوب، أو حتى مدونة شخصية، فإنك بكل تأكيد تعرف مُتعة الوصول إلى أول عشرة مستخدمين، ثم مُتعة الوصول إلى أول 100، ثم أول 1000، ثم أول 10000 وهكذا، فكلما زاد صفر أمام الرقم، كلما كانت الفرحة أكبر. أما إذا لم يحالفك الحظ، فلا تعتقد أن الفرحة أو الاحتفالات التي يقوم بها أي صاحب مشروع أو قناة على الإنترنت مُجرد شيء زائف أو مبالغ به.
وبعيدًا عن التسويق فإننا نعلم جيّدًا أن الوقت الحالي هو عصر المشاركة على الشبكات الاجتماعية، وخصوصًا الصور ومقاطع الفيديو، ولنا في تطبيق سناب شات، أو انستجرام، أو فيسبوك، أو تويتر أو واتس آب أسوة حسنة.
ما بالكم إذًا بتطبيق امتلك منذ اليوم الأول شريحة مستخدمين تصل إلى مليون شخص، وهو لمشاركة مقاطع الفيديو وتصويرها بأسلوب مغاير تمامًا للأساليب المستخدمة في بقية التطبيقات، لكنه فشل في النجاح؟
باختصار، هذا التطبيق هو Beme، وهو عبارة عن شبكة اجتماعية لمشاركة مقاطع الفيديو بعد تصويرها بشكل فوري، أي أن المستخدم ما أن ينتهي من تصوير المقطع حتى يُنشر فورًا دون وجود إمكانية للتعديل عليه. أما ما يُميّز التطبيق، فهو آلية التصوير، فبمجرد أن يُغطّي المستخدم الشاشة تبدأ عملية التصوير. وبشكل أدق، بمجرد تغطية حسّاس الضوء الموجود إلى جانب سمّاعة الهاتف، يبدأ التطبيق بالتصوير، لينتهي مع انتهاء المدّة المسموحة -10 ثواني على الأغلب- أو عند إبعاد الغطاء عن حسّاس الضوء.
ويقف خلف التطبيق واحد من أنجح صُناع المحتوى على مستوى العالم أو المُدونين بالفيديو Vloggers كما يحلوا له تسميته، فقناته على يوتيوب قاربت اليوم على الوصول إلى 6 مليون مُشترك، بمعدل وسطي للمشاهدات يصل إلى 3 مليون مشاهدة، على الرغم من أنه ينشر بشكل يومي. هذا المدون، أو المُخرج، أو صانع المحتوى هو Caesy Neistat الذي يمتلك أيضًا قصة حياة مُثيرة جدًا.
Caesy وجد أن جميع تطبيقات تصوير ومشاركة مقاطع الفيديو الموجودة لا تعكس الواقع الحقيقي لنا، فنحن نقوم بتصوير الفيديو ثم التعديل عليه وإضافة تأثيرات، أو قص أجزاء منه قبل مشاركته، وبالتالي هناك زيف كبير في المحتوى الذي نقوم بإنتاجه، ومن هنا فكّر في إطلاق تطبيق لمشاركة الفيديو دون وجود إمكانية لمشاهدة مقاطع الفيديو بعد أو أثناء تصويرها، كما لا يمكن التعديل عليها لتنتشر بشكل فوري على حساب المستخدم.
Beme وصل إلى المستخدمين في منتصف العام الماضي تقريبًا، حينها كان Caesy يمتلك مليون مشترك في قناته فقط وبدأ بالترويج للتطبيق عبر القناة، وذكر هو في أكثر من فيديو أن ما دفعه للتدوين بالفيديو بشكل يومي هو تطبيق Beme بنسبة كبيرة، حيث يرغب في الترويج له عبر القناة بعد بناء قاعدة كبيرة من الجماهير.
ولو افترضنا أن 50٪ فقط ممن يتابعون Caesy اهتموا بالفعل بأمر التطبيق لامتلك التطبيق 500 ألف مستخدم منذ اليوم الأول تقريبًا، وهو رقم كبير جدًا، لا يمكن لأي شخص أن يتمنى أفضل منه كبداية.
التطبيق وصل للشريحة المُستهدفة بسهولة نوعًا ما، ونُفّذت الفكرة أيضًا بطريقة جيدة باسثتناء النسخة الأولية التي كانت كارثية بعض الشيء، وهو مواكب لصيحات العصر الحالي، إذًا كيف يفشل؟
المشكلة في Caesy أنه شخص متحمّس جدًا ومجازف لأبعد الحدود، وحاول بشكل أو بآخر الاستفادة من متابعيه للترويج لفكرة ربما تحمّس لها بصورة أكبر مما تستحق، وحوّلها إلى حقيقة قبل أن تنطفئ نار حماسته.
Caesy كشخص يُخرج يوميًا مقطعًا عن حياته اليومية، يُدرك تمامًا أن المصوّر بحاجة للنظر إلى شاشة الكاميرا أثناء التصوير للتأكد من ظهور ما يشاهده بالشكل الأمثل، بغض النظر عن وجود احتمالية للتعديل على المقاطع فيما بعد من عدمها، فالأهم هو تسجيل تلك اللحظة. إذًا فعند تصوير فيديو يمكنني كمستخدم أن اضغط زر التسجيل ثم اتأكد من أن المشهد ظاهر داخل الكاميرا أو in-Frame ثم أتابعه بشكل حي ومُباشر دون النظر في شاشة الهاتف أو الكاميرا، وفي هذه الحالة لم يعد لتطبيق Beme أي فائدة.
أما بخصوص بخصوص عدم وجود إمكانية للتعديل على المقطع بعد تصويره فاعتقد أن هذه هي الميّزة الأهم في التطبيق، فلو تُرك لنا كمستخدمين إمكانية التصوير بالوضع الطبيعي دون الحاجة إلى تغطية مستشعر الضوء لكان الوضع أفضل وتمكّنا على الأقل من مشاهدة ما يتم تصويره. لكن هل فعلًا يرغب الأشخاص في نشر كل شيء على طبيعته دون تجميله قليلًا والتفاخر، أو التباهي، أو تعويض النقص الموجود؟ ليس انتقاصًا من أي فرد، فجميعنا يقوم بتجميل المحتوى قبل نشره، وهذه حالة عامة رُبما تعكس أمور نفسية واجتماعية، وبالتالي عدم توفير إمكانية التعديل على مقاطع الفيديو قد يزعج البعض أيضًا، وفي هذه الحالة سيصبح التطبيق دون فائدة.
ولو ابتعدنا قليلًا عن تحليل وظائف التطبيق وفعاليتها ومدى نجاحها وافترضنا أنها تُحقق جميع معايير النجاح أيضًا من مبدأ لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع، فإن التطبيق نفسه لم يأتي لمعالجة مشكلة يعاني منها Caesy نفسه. فمارك زوكربيرج أنشأ فيسبوك لحل مشكلة يعاني منها هو وأصدقاؤه، وإيفان سبيجل Evan Spiegel أيضًا خرج لنا بفكرة سناب شات Snapchat لحل مشكلة يعاني منها هو الآخر. نفس الأمر عند القائمين على تطبيقات مثل سلاك Slack أو تويتر على سبيل المثال لا الحصر.
Caesy وكمدوّن يومي بالفيديو يحمل كاميرته في كل مكان يذهب إليه، وبالتالي هو قادر على التصوير في جميع الأوقات وجميع الوضعيات دون مشاكل، ويترك خيار تعديل الفيديو وتحريره قبل النشر لنفسه، فإذا أراد تجميل حياته بإمكانه ذلك بكل بساطة طالما أنه يمتلك المحتوى، ولو أراد عرضها على حقيقتها فيكفي دمج المقاطع ونشرها لتنتهي المشكلة دون الحاجة إلى إنشاء تطبيق لهذا الغرض، على افتراض أنه جاء من هذا المُنطلق.
لكن مجددًا، لم يعالج التطبيق أي مشكلة حسب متابعتي اليومية لمقاطع Caesy التي تُنشر مساء كل يوم، ولم أجد أنه لاحظ قصورًا في كاميرا الهواتف الذكية التي يستخدمها أو الكاميرات ورغب في حلّه في تطبيق Beme الذي توقّف Caesy عن التسويق له منذ فترة ليست ببعيدة.
امتلاك فكرة جديدة والتسويق لها هما جزء صغير فقط من عناصر نجاح أي تطبيق، فالأهم أيضًا هو نسبة فاعلية الفكرة ومدى احتياج الناس لها، والأهم من هذا كُله أن تأتي لتحل مشكلة يشتكي منها صاحب الفكرة الأساسي لكي تُضيف قيمة لحياته، وإلا فنسبة نجاحها قد تكون معدومة، أو قد تنهار بسرعة كبيرة بعد تجربة المستخدمين لها.
طيب ما علاقتنا نحن بتطبيق Beme وCaesy وفشله من نجاحه؟ سؤآل جيّد ولو أنه متأخر جدًا، لكن ما أشاهده حاليًا من نشاطات يقوم بها المُختصين في المملكة العربية السعودية لتقييم وتوجيه الأفكار الجديدة بالتزامن مع ثورة مشاهير تطبيقات التواصل الاجتماعي دفعني لاستخدام Beme كمثال وتحذير جميع المشاريع القادمة لتحقيق رؤية المملكة العربية السعودية 2030.
قد تمتلك كشخص فكرة لتطبيق، وتعمل بالشكل الأمثل على تنفيذها بعد استشارة الأساتذة المُختصين في هذا المجال والذين بدأوا بالفعل بعقد اجتماعات اسبوعية من أجل هذا الأمر، كما يمكنك الاعتماد على مشاهير الإنترنت لنشر تطبيقك بسرعة كبيرة جدًا، لكن تأكد إن لم يأتي هذا التطبيق لحل مُشكلة تعاني منها أنت أولًا لتكون أول المستفيدين منه، أو لحل مشكلة كبيرة لا توجد لها حلول حتى اللحظة، فالحماسة والاندفاع الزائدين قد يُذهبان كل التعب والجهد مهب الريح.
أحدث التعليقات