لم تكن الهواتف الذكية الشكل الأول من الهواتف المحمولة، ولم تكن كذلك أنظمة مثل أندرويد Android أوiOS الأولى من نوعها، فأنظمة تشغيل سابقة توفّرت وطغت لفترة طويلة من الزمن. كما أن مفهوم التطبيقات لم يولد مع ولادة هذه الأنظمة أيضًا، فهي كانت موجودة في الهواتف العاملة بأنظمة مثل سيمبيان Symbian أو بلاك بيري أو إس BBoS، لكنها -أي التطبيقات- كانت محدودة ومقفولة، ولم تكن هناك مُرونة تسمح بتغيير التطبيقات الافتراضية؛ فتطبيق البريد في هواتف نوكيا واحد، والتقويم واحد، وإدارة المواعيد واحد.
لذا فالقوّة الحقيقة لأنظمة مثل iOS جاءت عبر متجر التطبيقات الذي قُدّم للمرة الأولى عام 2008، فلا يمكن لشركة واحدة تلبية رغبات المستخدمين، ولا يمكنها تحمّل ذلك أصلًا. ولهذا السبب بدأت التطبيقات المُختلفة بالظهور، والتي أضافت أدوات لا محدودة للأجهزة الذكية جعلتها أكثر ذكاءً على الرغم من أنها تقوم بوظائف بسيطة في بعض الأوقات.
هذه المتاجر ساهمت بشكل كبير في القضاء على شركات وأنظمة تشغيل، فمن كان يعتقد أن تؤول الأمور في بلاك بيري إلى ما هي عليه الآن؟ أو حتى نوكيا التي كانت واحدة من أفضل الشركات في مجال صناعة الهواتف الذكية؟
في هذا العصر، وبعدما أخذت الأجهزة الذكية مجدها على مدار عشرة أعوام تقريبًا، بدأت أشكال تقنية جديدة تظهر لنا، وبعد سنوات من استخدام اليد للتعامل مع الأجهزة الذكية، حان دور الصوت عبر المُساعدات الرقمية مثل أمازون إيكو Amazon Echo، أو Google Home، بانتظار وصول سيري Siri إلى مُساعد رقمي منزلي جديد، وكورتانا Cortana، وأخيرًا وليس آخرًا، فيسبوك إم Facebook M.
وصول المساعدات الرقمية إلى أجهزة أكثر لا يعني أبدًا نجاحها وانتشارها على المدى الطويل، فهي ستنجح على المدى القصير فقط، لكن إن استمرّت على نفس الاستراتيجية فهي لن تتقدّم أبدًا والأسباب وراء ذلك كثيرة.
لو نظرنا إلى سيري التي قُدّمت عام 2011 تقريبًا لوجدنا أنها نجحت في جذب اهتمام شريحة كبيرة من المستخدمين حول العالم، لكن وبعدها بعامين بدأ هذا الاهتمام بالتناقص شيئًا فشيئًا، ولم يُحيه سوى استخدام سيري في الجيل الرابع من أجهزة Apple TV. سيري الذي كان من أول المساعدات الرقمية داخل الهواتف الذكية كان على وشك الاختفاء تمامًا بسبب مولود أمازون الجديد أليكسا Alexa، التي يُمكن اعتباره سيري أجهزة إيكو Echo.
جهاز أمازون إيكو أطلق عام 2014، لكنه وخلال هذه الفترة نجح في حصد أهمية كبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي AI، بل ودفع شركات كُبرى للاعتماد على نفس المبدأ، فمن كان يعتقد أن ينجح مُساعد رقمي منزلي في ظل وجود هواتف ذكية وساعات ذكية طول الوقت مع المستخدمين؟
نجاح أليكسا لم يأتي من فراغ أبدًا، بل وطغى على سيري بشكل شبه كامل لأن القائمين على تطوير الجهاز والنظام عاملوه مثلما عاملت آبل نظام iOS، فآبل لن تكون قادرة على تلبية كافة الرغبات في نظام iOS، وبالتالي لن تستطيع تطوير جميع التطبيقات بنفسها، ومن هنا فتحت متجر التطبيقات وسمحت للمطوريين بالمساعدة. نفس الأمر في إيكو، أمازون تنبّهت إلى هذه الأهمّية، أي مُساهمة المستخدم في تطوير أدوات جديدة للنظام، وما كان منها سوى أن فتحت متجرًا للمهارات Skills لينشر المُطورون ما يرغبون به.
ومن هنا، وخلال عامين فقط، حققت أمازون نجاحًا كبيرًا في مفهوم المساعدات الرقمية المنزلية وأنظمة الذكاء الاصطناعي الموجودة بداخلها. كما أنها بدأت بتضمين النظام -أمازون أليكسا- في أجهزة أُخرى غير أجهزتها، وبالتالي انتشار أكبر ووظائف أكبر مع مرور الوقت.
جوجل الآن تعكف على تطوير مُساعدها الرقمي الجديد Google Assistant وفتحت كذلك حزمة برمجية SDK ليقوم المُطورون بكتابة مهارات جديدة وإضافتها للمتجر، بحيث يمكن للمستخدم زيادة عدد الوظائف التي يُمكن لهذه الأجهزة القيام بها. نفس الأمر في فيسبوك إم، وسيري أيضًا، فآبل تنبّهت إلى أهمّية هذا المفهوم وقامت بتوفير حزمة برمجية أيضًا تسمح لمُطوري التطبيقات بالاستفادة من سيري.
مثلما ساهمت التطبيقات في إنجاح أنظمة وإفشال بعضها الآخر، ستنجح المهارات في إحياء مُساعدات رقمية وقتل بعضها الآخر. وفي وقت تسعى جميع الشركات فيه إلى تطوير تطبيقات خاصّة بها على الأجهزة الذكية وأنظمتها المُختلفة، قد يكون التفكير في مهارات المساعدات الرقمية أفضل وأكثر جدوى على المدى الطويل، خصوصًا أن المستخدمين قد يجدوا في استخدام الصوت خير وسيلة للتعامل مع الأجهزة الذكية، بعد سنوات طويلة من الاعتماد على اليد والأصابع.
أحدث التعليقات