هنالك عدة طرق رئيسية يمكن من خلالها كسب المال عبر الإنترنت وتوفير مصدر دخل جيد ودائم، ولقد تعرضنا في مقالة سابقة إلى هذه الطرق بشيء من التفصيل، وكذلك ذكرنا العديد من المواقع والمنصات المتخصصة في مجال الربح في مقالة أخرى ، أما في هذه المقالة فسوف نسلط الضوء على واحدة من الطرق المشهورة في مجال الكسب الرقمي، ألا وهي (البيع بالعمولة) أو (Affiliate marketing)، سنتحدث عنها لكن من جانب أخلاقي يهم الجميع، حتى أولائك الأشخاص الذين ليس لديهم أية أنشطة ربحية أو حتى ميول لهذا المجال.
مفهوم البيع بالعمولة
ببساطة، عندما يكون هنالك منتج أياً كان (سواءً كان رقمياً مثل الكتب الإلكترونية والدورات والخدمات الرقمية أو كان منتجاً ملموساً والذي يمكن شراءه عبر منصات التجارة الإلكترونية) ويريد صاحب المنتج أن يبيعه بشكل أكبر عبر الإنترنت، في هذه الحالة لديه خيارين، الخيار الأول هو أن يطلق حملات إعلانية لجذب الراغبين بالمنتج إلى الموقع من أجل الشراء، هذه الحملات الإعلانية يمكن إطلاقها عبر منصات مشهورة مثل قوقل والفيسبوك وتويتر، والخيار الآخر المتاح أمامه هو أن يوكل أمر البيع إلى أشخاص آخرين بحيث يعطيهم نسبة من كل عملية بيع تتم عبرهم، وهذا ما يسمى بالبيع بالعمولة.
في نموذج البيع بالعمولة سيقوم المسوق بالجهد كله لتسويق المنتج ومحاولة إقناع المستخدمين في فضاء الإنترنت بشراء ذلك المنتج، وحين يقوم أحد الأشخاص بشراء المنتج عن طريق المسوق فسيحصل هو على عمولة متفق عليها مسبقاً أو نسبة من سعر المنتج أو مبلغ الشراء، قد تسأل وتقول: وكيف يعرف صاحب المنتج أن المشتري قد أتى من خلال ذلك المسوق بالتحديد؟ يتم هذا الأمر عبر مواقع وسيطة مهمتها توفير روابط خاصة تقوم بتتبع الزيارات لمعرفة مصدر قدوم الزوار.
كل مسوق له رابط خاص يختلف عن رابط المسوق الآخر الذي يوصل لنفس المنتج ونفس الصفحة، أما المواقع الوسيطة فهي التي توفر هذه الروابط للمسوقين من أجل تتبع النقرات وعمليات الشراء.
الوضع الطبيعي أن المسوق يمتلك موقع أو مدونة يزورها آلاف الأشخاص يومياً، ومن خلال صفحات مدونته تلك يمكنه أن يقوم بتسويق تلك المنتجات ومحاولة إقناع الزائر بشرائها، الأمر طبيعي ولا مشكلة فيه، فصاحب المدونة أو الموقع يبذل الكثير من الجهد والوقت لكتابة المقالات أو إعداد المحتوى النافع والمفيد وتقديمه للقراء بشكل مجاني، وفي المقابل قد يحصل على بعض المال مقابل تسويقه لبعض المنتجات التي يرى أنها مفيدة وتستحق الإنتشار.
الأمر الغير طبيعي والغير مقبول هو عندما يحاول المسوق أن يقنع زوار موقعه بشراء المنتج الذي هو أصلاً غير مقتنع به، الغير مقبول هو عندما يقوم المسوق بالمبالغة في وصف المنتج أو الخدمة أو ذكر بعض الكذبات -التي قد يراها صغيرة- من أجل إقناع الزائر بالشراء، الغير مقبول أن يصبح المكسب المادي هو الأهم وهو المعيار الأساسي لقبول أي منتج أو رفضه، وليس تقديم الفائدة الحقيقة للآخرين.
مبدأ الكل رابح
من أجل نجاح هذا النموذج من الأعمال والأنشطة الرقمية، يجب أن يخرج الجميع رابح من العملية، والـ(جميع) هنا هم ثلاثة أطراف في هذه العملية: (1) صاحب المنتج، (2) المسوق، (3) المشتري أو العميل، لكن عندما يكون الرابح في العملية هو طرف واحد فقط هو (المسوق) عندها سوف تختل العملية ولن يصبح هذا النموذج ذو فائدة عملية للأطراف الأخرى وسيؤدي هذا مع الوقت إلى نفور المجتمع الرقمي عن هذا النموذج الربحي، وبالتالي عزوف الشركات صاحبة المنتجات عن العمل وفق هذا النموذج، وهنا يكون المسوق هو الخسران الأخير في نهاية المطاف.
عندما يقوم المستخدم بشراء أو الاشتراك في خدمة غير جيدة أو على الأقل لا تناسب ما يحتاجه أو ما يريده، وذلك بسبب الوصف المبالغ فيه أو الكذب المقدم من المسوق عبر موقعه او إعلاناته التي ينشرها (من أجل الحصول على أكبر عدد ممكن من العمولات) حينها سيقوم بإلغاء إشتراكه من الخدمة أو التراجع عن الشراء أو على الأقل أخذ نظرة سيئة عن تلك الخدمة ومن يقدمها، إذا هو يخرج خاسر من العملية.
أما الشركة المقدمة للمنتج أو الخدمة فسوف تدفع العمولة لعميل لا يرغب حقاً في الاشتراك، غير مقتنع أصلاً بالمنتج أو الخدمة لأنه قد تم خداعه، ربما ألغى اشتراكه أو تراجع عن شراءه أو على الأقل أخذ نظرة سيئة من تلك الشركة، تلك النظرة التي تساهم مع الوقت بإضعاف سمعة الشركة وتنفير العملاء من حولها، وبالتالي تخرج الشركة مقدمة المنتج أو الخدمة خسرانة من العملية.
الرابح الوحيد هو المسوق، أخذ نصيبه من الكعكعة وخرج وهو يعتقد أنه منتصر، إنها مشكلة أخلاقية في المقام الأول، وبداية الحل تكمن من داخل النفس أولاً، وهذه المشكلة وإن كانت أخلاقية إلا أنها كذلك تؤثر على سوق العمل الرقمي، سوق البيع والشراء والتعاملات المالية عبر الإنترنت، وكما ذكرنا سابقاً، انتشار هذه الظاهرة يؤدي بشكل غير مباشر إلى نفور المجتمع الرقمي من هذا النموذج الربحي.
مثال عملي
كي يكون الأمر أكثر واقعية، سوف أظرب هنا مثال لهذه الأمر، فمثلاً هنالك الكثير من شركات الإستضافة -التي توفر خدمات استضافة المواقع الرقمية على شبكة الانترنت- التي تتعامل مع هذا النموذج من أجل توسيع دائرة المبيعات، يمكن للمسوق الاشتراك في بعض المواقع الوسيطة (مثل شركة CJ) من أجل التعامل مع تلك الشركات وتسويق خدماتها المتمثلة في تقيديم خدمة الاستضافة للمواقع والمدونات.
تلك الشركات قد تدفع مبالغ كبيرة من أجل الحصول على عملاء جُدد، لأن أولائك العملاء سيضلون معها في السنين القادمة في غالب الأمر، فمثلاً قد نجد شركة تدفع 70 دولار عمولة لكل عميل جديد يقوم بالاشتراك في الاستضافة، والذي قد يدفع في السنة الأولى 80 دولار فقط، طبعاً كما ذكرنا الهدف الأساسي هو كسب العملي لسنين طويلة قادمة، لذلك فهذه الشركات لا تبالي بدفع هذا المبلغ الكبير للمسوق الذي يجلب لها ذلك العميل الجديد.
عندما يصف المسوق خدمة الاستضافة تلك بما ليس فيها، ويتحايل على المستخدم كي يشترك فيها، ثم لا يجد العميل تلك الصفات موجودة أو على الأقل لم تصل الخدمة لمستوى توقعاته التي بناها بناءً على الكلام المكتوب او الفيديو المُشَاهَد، عندها سيوقف اشتراكه مع شركة الاستضافة ولن يستمر معها بعد سنته الأولى، وحينها ستخسر الشركة عميل دفعت عليه مبلغ كبير، وكذلك سيخسر العميل لأنه حصل على خدمة لا تناسب احتياجاته، والرابح الوحيد هنا هو المسوق.
مبدأ (الكل رابح) من المبادئ المهمة في الأديان وحتى في الأنظمة الاجتماعية البشرية التي تسعى لتطوير المجتمع والحياة بشكل عام، ولعل أحد الأحاديث النبوية الشريفة التي تؤسس لمثل هذا المبدأ هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) فأنا أحب أن أكسب وأستفيد وفي ذات الوقت أحب للآخرين أن يكسبوا ويستفيدوا، أحب ان يكسب المستخدم الذي أقنعه بالشراء فيحصل على خدمة أو منتج مفيد حقاً وكذلك أحب أن تستفيد تلك الشركات المقدمة للخدمات، وبالتالي لن أقوم بتسويق المنتجات والخدمات إلا التي أقتنع فعلياً بفائدتها وتميزها وسأعمل على نشرها بدافع نفع الناس وإفادتهم بجانب دافع الكسب المالي.
أحدث التعليقات