عرف الإنسان التدوين أو الكتابة منذ القدم، يمكن أن نعتبر النصوص المكتوبة نوعاً من أنواع المحتوى، ذلك المحتوى الذي تناقلته الأجيال وساهم في نقل الخبرات والأفكار وبناء الحظارة الإنسانية، الكتابة والمحتوى النصي ماهي إلا وسيلة لتخطي عقبة المكان والزمان، فالإنسان بإمكانه أن ينقل تجاربه لأخيه وابن عمه ومن يعيشون بقربه، اللغة المنطوقة تقوم بالدور على أكمل وجه، لكن المشكلة هي في نقلها إلى من يعيشون في النصف الآخر من الكرة الأرضية، أو إلى الأجيال التي قد تأتي في المستقبل، لذلك كانت الكتابة ولازالت.
بعد ثورة الترانزستورات التي فتحت بوابة جديدة للحضارة الإنسانية، توالت الاختراعات والابتكارات، ولازال الإنسان يتقدم أكثر في اتجاه “رقمنة” حياته، إلى تحويل أجزاء كبيرة منها إلى مواد رقمية يمكنها أن تطير في غمضة عين وتصل إلى ملايين البشر في أصقاع الأرض، فكان المحتوى النصي أفضل الرابحين، فكم عانا الإنسان من حفظه ونقله في القديم، أما اليوم فلقد تغير كل شيء، ومما تغير أن إنسان العصر الحديث لم يعد يعجبه ذلك النوع من المحتوى، لم يعد يحب قراءة المُدون، يريد أشكال أخرى أكثر إمتاعاً وتشويقاً.
أشكال أخرى للمحتوى
ابتكر إنسان العصر الحديث شكلاً آخراً للمحتوى، إنه المحتوى الصوتي، المحتوى الذي لا يتطلب انشغال العينين به، فقط أذنيك هي ما يجب أن تكرسهما لتلقي المعرفة، فانتشرت ثقافة البودكاست، وأصبح الأفكار والآراء تُصب إلى عقل الإنسان عبر أذنيه، أينما كان، لقد سمح له هذا الشكل الجديد أن يتنقل بحرية ويستمع لما يريد من كتب صوتية أو حوارات فكرية مفيدة، لكن الميزة الأكبر هي أنه قد ألغى الوسيط الذي كان بينه وبين المؤلف أو الكاتب، لم يعد هنالك حبر وأوراق في المنتصف، لقد أصبحت المعرفة تصل مباشرة من ناشرها إلى متلقيها، فأصبحت الكلمة لها أثرٌ أكبر وأفضل.
لم يقف الإنسان عند حدود أذنيه، أراد المزيد، أراد تشويقاً أكبر، أراد أن يشاهد صاحب الفكرة وهو يتحدث عنها، بكل شغفه وتفاعله، تلك الكلمات تصل أفضل عندما تأتي من المصدر مباشرة، فظهر المحتوى المرئي، بأشكاله وأنواعه، وساهم في ازدهاره تطور منصات النشر المتخصصة وأهمها موقع يوتيوب، كذلك الشبكات الأخرى التي تهتم يوماً بعد يوم بالمحتوى المرئي، فأصبحنا نشاهداهتماماً كبيراً في الفترة الأخيرة بالبث المباشر، وما “البث المباشر” إلا وسيلة من وسائل نقل المحتوى، لكنه محتوىً من نوعٍ آخر، محتوىً تلقائي يوثق اللحظة المعاشة بكل تفاصيلها، يترك للمشاهد أمر التحليل واستخلاص الفائدة بنفسه.
أنواع المحتوى المرئي
انتشرت في الفترة الأخيرة فيديوهات الـ(vlog) أو ما يمكن تسميتها بـ(تدوينات مرئية)، قد تكون هذه التسمية غير دقيقة، فهنالك نوعين من المحتوى المرئي، النوع الأول هو الذي يعتمد على التسلسل الزمني لسرد الوقائع باختصار، قد تكون تدوينه مرئية يومية أو أسبوعية أو حتى موسمية، لكن السمة الأساسية فيها أنها تعكس لنا تجربة حياتية، قد يتحدث المدون فيها عن مواضيع مختلفة، لكن تبقى تلك المواضيع ضمن السياق الزمني، وتبقى التجربة الحياتيه هي الهدف الأساسي من الفيديو.
وهنالك نوع آخر من المحتوى المرئي، تلك التي يتحدث فيها المدون عن موضوع من المواضيع، يطرح رأيه أو يشارك الجمهور أفكاره، لا يوجد اي عرض لجانب من حياته أو تسلسل زمني لأحداث معينة، هذا النوع من التدوين هو ما يمكن أن نسميه بـ “مقالة مرئية”.
المقالات المرئية
لست مبتدع هذا المصطلح على هذا النوع من المحتوى، هو متناقل عبر الشبكات الاجتماعية لكن بشكل خفيف، قبل أيام شاهدت أحد الأشخاص عبر تويتر ينشر فيديو يعرض فيه رأيه حول موضوع من المواضيع، يتحدث مباشرة إلى المشاهدين عبر عدسة الكاميرا، لكن بأسلوب مشوق قليلاً، يصور نفسه في أماكن مختلفة، كل فقرة من فقرات المقالة “المرئية” في محيط مختلف، وعند نهاية السطر وبداية سطر جديد يظهر علينا من مكان آخر.
إذاً، يمكن لنا أن نفرق الآن بين نوعين من المحتوى المرئي: التدوينة المرئية “vlog”، والتي تعرض لنا “التجربة”، والمقالة المرئية التي تعرض علينا “الفكرة” أو الرأي، قد تكون التدوينة المرئية صامته، لا ينطق صاحبها بأي كلمه في طول الفيديو وعرضه، لكن قد تحمل الكثير من الأفكار التي يستنتجها المشاهد من تلقاء نفسه، أما المقالة المرئية فيجب أن يكون فيها صوت، هي فقط شكل من أشكال المحتوى، ذلك المحتوى الذي تطور من أصله المكتوب ومر بالمسموع، وهاهو يستقر ويصبح مرئياً.
أحدث التعليقات