لمحبي الإجابات السريعة فالجواب بإختصار: كلا لم يفشل المشروع “بعد” ولا زال الوقت مبكرا للحكم على نجاحه او فشله. هذا لمحبي الإجابات السريعة، اما لمحبي التحليلات والاستنباطات او لمن لم يقتنع بالجواب فإليكم هذا المقال.
في الفترة الماضية لاحظت تشاؤم شديد عن منصة نون وعن العبار وبشكل مبالغ فيه أحياناً. صحيح ان المنصة تأخر إطلاقها حتى لحظة كتابة هذه السطور خاصة ان الوعد كان بداية السنة الحالية والواضح انها لن تطلق فعلياً حتى الربع الرابع من السنة. طبعا تتابع الأخبار السلبية عن المنصة قد يفسر بعض هذا التشاؤم ولكن ان يصل التشاؤم إلى الحكم القطعي على المشروع بالفشل – وهو لم ينطلق بعد – فهذا من المبالغات اللامنطقية والغير صحية لبيئة التجارة الإلكترونية والمشاريع الناشئة بشكل عام.
من الطبيعي – والطبيعي جداً – ان يتأخر إطلاق المشاريع عن موعدها خصوصاً إذا كانت مشاريع ضخمة ومعقدة وبغض النظر عن المبالغ المتوفرة في هذه المشاريع، سواء مليونية او مليارية. مقر أبل الجديد كان من المقرر بدء الانتقال إليه في يناير من هذا العام وتم تأجيل الإنتقال إلى ابريل بسبب تأخير بعض التجهيزات وحتى لحظة هذه السطور لم يتم الانتقال الفعلي. ونفس الامر ينطبق على برج جدة، وهو المفترض ان يكون اطول برج في العالم، تم تأجيل افتتاحه من عام ٢٠١٨ إلى عام ٢٠١٩. هل هذا التأخير دليل على فشل مقر ابل الجديد او برج جدة؟ بالتأكيد لا لأن هذه من طبيعة الأمور في المشاريع، الكثير منها يتعثر ويتأخر والبعض منها يفشل والقليل جدا يحالفه النجاح من غير مشاكل تذكر.
الكثير من أصحاب المشاريع يعرفون ان هناك الكثير جدا جدا جدا من الصعوبات والعوائق والعقبات لتأسيس الشركات – وحتى مع وجود خبرات سابقة لأصحاب المشروع – و أن خطط العمل، أي خطط عمل، مهما كانت مفصلة و شديدة الإتقان سيتم تعديلها عشرات بل حتى مئات المرات لأن مجريات الأمور في المشاريع الناشئة – وفي الحياة بشكل عام – لا تسير أبدا في خط مستقيم وهذا في رأيي أجمل ما في تأسيس المشاريع لأنها لو صارت كما خططت له، فما هو المثير في المشروع إذا؟
والكثير من ذوي الخبرة من أصحاب المشاريع يعرف ايضاً أن وفرة “المادة” ليست كل شيء. العبار بكل خبراته والاستثمارات التي جمعها والأموال التي يمتلكها، واضح انه لا يملك الخبرة الكافية في مجال التجارة الإلكترونية فمن الطبيعي أن يكون هناك الكثير من التخبط. أكاد اجزم انه لو اجتمع كل خبراء التجارة الإلكترونية في المملكة لبناء منصة نون بالمليار دولار لنال من المشروع ايضاً الكثير من التأخير، فحتى كثرة الخبرة أحياناً تكون مضرة ايضاً بالمشاريع.
في رأيي أكبر خطأ ارتكبه العبار كان يتمحور حول الإعلانات المبالغ فيها جداً سواء من ناحية الأرقام أو الطموحات حيث تم ذكر ان المنصة سيكون فيها التالي:
- توفير ما يزيد عن ٢٠ مليون صنف منوع من المنتجات حال إطلاق المنصة. وهذا رقم مبالغ جداً فيه. لو ذكروا مليون صنف كان سيكون هناك نوع من المبالغة فما بال ٢٠ مليون صنف.
- توصيل سريع وخلال ٣ ساعات من تاريخ الطلب. اي متخصص في التجارة الإلكترونية يعرف ان هذه ستكون من المستحيلات في المنطقة في الوضع الحالي مع مشاكل العنونة والمدفوعات. طبعا في الغالب سيتم “محاولة” تنفيذها في دبي وربما في الرياض لكن ماذا عن باقي المدن والمناطق؟
- تحديد موعد فعلي لإطلاق المنصة. تم ذكر بأن الإطلاق سيكون في يناير مع عام ٢٠١٧م ومرت الأيام والأسابيع والشهور والناس لا تسمع إلا التخبطات والإستقالات ولا خبر عن موعد فعلي لإطلاق المنصة. اخر الاخبار انها ستطلق – في الغالب – في الربع الرابع من العام الحالي.
للأسف الجرعة الإعلامية كانت قوية جدا وأثرت على ردة فعل الناس. لا توجد مشكلة ان يكون الطموح الوصول لعدد ٢٠ مليون صنف او تحسين وسائل الدفع والعنونة وغيرها من مشاكل التجارة الإلكترونية على مراحل ولكن الإعلان عنها دفعة واحدة جعلت الناس تستخف وتسخر من أخبار المنصة ويحكموا عليها بالفشل مسبقاً قبل حتى ان تنطلق. أظن انه تم الآن استيعاب هذا الخطأ نوعا ما لكن في وقت متأخر للأسف.
طبعا في رأيي لا زال الحكم على نجاح أو فشل المنصة مبكراً جدا وهناك العديد من المقومات القوية لإنجاح المنصة ونذكر هنا بعضها:
- مسألة إنجاح المنصة أصبحت شخصية لأن سمعتها صارت سيئة وسلبية جدا. فأظن أن السيد محمد العبار سيحرص أشد الحرص أن تنجح المنصة لأن صورتها أصبحت مرتبة بشدة بإسمه ومتأكد انه سيسعى بشتى الوسائل لإنجاحها.
- لا ننسى أن صندوق الاستثمارات العامة مساهم بنصف القيمة لذلك سيكون حريص جدا على إنجاح المشروع بأي طريقة. وجود كيان حكومي قوي شيء لا يستهان به ابداً، فهو من المفترض أن يذلل الكثير من العقبات ويساعد على سن الكثير من القوانين التي ستسهل التجارة الإلكترونية للكل سواء كانت منصة نون او غيرها.
- إستحواذاتهم المختلفة مثل الإستحواذ الكامل على منصة جادو بادو وعلى الحصة الأكبر في موقع نمشي و في شركة MEVPالعاملة في مجال رأس المال الاستثماري تدل على توجههم لمعالجة الأخطاء السابقة و استقطاب أصحاب الكفاءات والخبرات في مجال التجارة الإلكترونية.
- لا يزال سوق التجارة الإلكترونية ناشئاً والمجال فيه كبير وواسع لدخول أكثر من لاعبين كبار فيه فهي لا تنافس فعلياً إلا موقعي سوق ووادي وكلاهما لا زال أمامها الكثير من العوائق والتحديات. صحيح ان أمازون خلف موقع سوق الآن لكن هذا لا يمنع أن الفرصة لا تزال كبيرة جدا للكبار.
- العبار اجتمعت فيه القوة المالية ووجود صندوق الاستثمارات العامة أعطاه – بالإضافة الى القوة المالية – قوة حكومية/سياسية/سيادية وكان ما ينقص المنصة هي القوة الإدارية والخبرة والمعرفة في هذا المجال واتمنى ان ثمرة الاستحواذات هذه تلقى أثرها على المنصة في القريب العاجل.
كل هذا المقومات لا تعني بالضرورة نجاح المنصة لكنها قد تزيل بعض التشاؤم المنتشر حولها. المشروع جدا ضخم ويحتاج إلى الكثير من الجهد والصبر. أمازون نفسها لم تتجرأ وتدخل السوق بنفسها من الصفر لانها تعرف كمية الصعوبات الكبيرة والتكاليف الضخمة جداً وراء هذه الخطوة.
طبعاً في الأخير حراك العبار شيء طيب وسيفيد التجارة الإلكترونية بشكل او بآخر – حتى لو فشل المشروع – و أكثر شيء نستفيد منه حاليا هو كمية الدروس والعبر من هذه التجربة والتي تحدث أمامنا وكأننا نشاهد مسلسل تلفزيوني به حلقات ضعيفة و أخرى قوية، الحكم على المسلسل بالكامل من المبكر جدا الحكم عليه.
أحدث التعليقات