لا أحد يدري ما يخبئ له المستقبل، قد تعمل عملاً عادياً لا تلقي له بالاً فيكون له أثر كبير في المستقبل، هي حالة تسمى في الفلسفة “نظرية الفراشة“، تجد لها الكثير من الأمثلة في حياة الناس، وتجد لها أيضاً العديد من الأعمال الفنية التي تطرقت للفكرة من عدة جوانب، منها الفيلم الذي يحمل نفس الاسم “The Butterfly Effect“، وفي هذه المقالة نعرض أحد النماذج الواقعية التي حدثت في السنوات الماضية، إنها صورة طفل نشرتها الأم في حسابها في الانستقرام، فأدت إلى إنقاذ حياة الأب بعد سنوات.
يقال أنه أشهر طفل في العالم (أو في الفضاء الرقمي)، فصورته أصبحت أيقونة للتحدي والنجاح، يسمى بـ”طفل النجاح” أو “Success Kid“، الكثير شاهد الصورة ويعرفها جيداً، لكنه لا يعرف أصلها وحكايتها، وقد لا يعرف الكثير أحد التأثيرات التي سببتها تلك الصورة للأسرة وللأب على وجه التحديد، لذلك دعوني أخبركم عنها في السطور التالية.
كانت البداية بصورة رفعتها الام (ليني) إلى حسابها في الانستقرام في 26 أغسطس 2007، كانت الصورة لإبنها (سامي) الذي لم يتجاوز السنة من عمره في ذلك الوقت، حيث كان الطفل يجلس في الشاطئ فقرر أن يتذوق تلك الرمال التي يجلس عليها ليكتشف سرها (كما هو حال جميع الأطفال) لكن عندما خيب الطعم توقعاته، تغيرت ملامح وجهه فكانت عدسة الكاميرا في انتظاره.
رفعت الأم الصورة بحسن نية، كما اعتادت أن ترفع عشرات الصور التي كانت تصورها للعائلة ولطفلها الصغير، لكن بعد سنة اكتشفت أن صورة ابنها أصبحت منتشرة في الانترنت بشكل غير متوقع، فأصبحت “Meme” وانتشرت تحت مسمى (أنا أكره الرمال) أو (I Hate Sandcastles)، لكن الصورة كانت لها أبعاد أخرى، فتلك النظرة وتلك اليد الصغيرة بوضعيتها المميزة كانت مصدر طاقة إيجابية لكل من شاهدها، فهي تعبر عن العزيمة الوقادة للنجاح والوصول للهدف مهما كانت العقبات، لذلك اصبح الإسم المشهور لها وللطفل (طفل النجاح) أو (Success Kid).
أبو الطفل هو “Justin Griner” كان مصاب بالفشل الكلوي من قبل ولادة ابنه، وكان يغسل دمه عدة مرات أسبوعياً، لكن صحته كانت تتدهور، لذلك فقد قررت الأسرة أن يقوم الأب بعملية زراعة كلى، لكن المشكلة أنهم لم يكونوا يملكون الكثير من المال، فقررت الأم أن تنشر حملة في موقع “GoFundMe“، وهي المنصة التي تسمح بإنشاء حملات للحصول على الدعم المالي من الجمهور والمتابعين أو من مجتمع الانترنت بشكل عام (كلٌ بقدر ما يستطيع).
بالطبع لم تكن الحملة لتنجح وتصل إلى الرقم المطلوب (الذي هو 75 ألف دولار) لولا شهرة الطفل وصورته المستخدمة في الكثير من الاقتباسات والعبارات الملهمة، وحتى في الاعلانات التجارية وفي خلفيات سطح المكتب، فقد تلقت المواقع الإخبارية الكبرى ذلك الخبر وتلك القصة ونشرتها عبر منصاتها الإخبارية المختلفة، ولم يمر أسبوع حتى وصلت الحملة لهدفها المنشود.
نعرف أن الانتشار الفيروسي للفيديوهات يمكن أن يتبعه فائدة مالية، وخاصة إن كان الفيديو في منصة اليوتيوب، فكل مليون مشاهدة سيأخذ عليها صاحب الفيديو مبلغاً من المال يزيد وينقص حسب المكان الجغرافي للمشاهدين، لكن من الصعب جداً أن يستفيد المرء من شهرة الصورة الثابتة، وخاصة أنه يمكن تناقلها ونشرها بدون أن يعرف الجمهور مصدر الصورة، لكن في هذه الحالة كان الأمر مختلف، واستطاعت الأسرة الاستفادة من تلك الشهرة بعد 8 سنوات كاملة.
بالطبع هنالك فوائد أخرى تجنيها الأسرة، فهي لا تسمح باستخدام الصورة بشكل تجاري (مثل الإعلانات) إلا بعد الاتفاق معهم، عبر الحصول على مبلغ من المال أو جزء من الأرباح أو حتى فائدة معنوية معينة، فعند الدخول لصفحة الصورة ستجد في الوصف عنوان البريد الإلكتروني للتواصل بهم والاتفاق حول منح الصلاحيات.
في أغسطس من سنة 2015، نشرت الأم صورة زوجها بعد إجراء العملية، ويقف بجانبه إبنه الذي أصبح ولداً يافعاً، وهم يؤدون نفس الحركة التي كانت السبب في الوصل إلى ماهم فيه، وهكذا يسدل الستار عن قصة نهايتها سعيدة، قصة طفل أنقذ أباه، قصة صورة غيرت حياة أسرة، وقد يكون أحد الدروس المستفادة من هذه القصة، هو أن (لا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق)، فقد تدور الأيام فتنتفع بتلك الإبتسامة وتلك الطلاقة التي قابلت بها ذلك الشخص، فيعينك في مشروع أو ييسر الله علي يديه أمراً، وما علينا إلا أن نستمر في عمل الخيرات، وأن لا نشغل بالنا كثيراً بالنتائج.
أحدث التعليقات