يتصاعد التوتر متقطعا في شرق أوكرانيا بين القوات الأوكرانية والانفصاليين الذين تدعمهم روسيا منذ اتفاق السلام الموقع في 2015، إلا أن حجم التصعيد الحالي يختلف عن المرّات السابقة. وما زالت كييف، بعد سبع سنوات على الأزمة الأوكرانية، تأمل أن تكون الولايات المتحدّة مستعدّة اليوم للعب دور فاعل في عملية السلام المجمّدة، وربما انضمامها إلى رباعية نورماندي التي تقود المفاوضات، (ألمانيا، فرنسا، أوكرانيا، روسيا)، حيث فشلت الحكومات الأوكرانية منذ 2014 في إيجاد حل ينهي أزمة شبه جزيرة القرم والنزاع المستمر في شرق البلاد، ويعيد المنطقة إلى السيطرة الأوكرانية الكاملة.
ويثير تزايد القوات العسكرية الروسية على الحدود مع أوكرانيا اليوم علامات استفهام وتساؤلات عدّة عن حقيقة أهداف هذه الحشود العسكرية غير المسبوقة في عمر النزاع الأوكراني. وعلى الرغم من عدم وجود مصلحة روسية في عمل عسكري واسع، إلا أنه لا يمكن استبعاد هذا السيناريو، مع احتمال أن يكون الهدف من ذلك كله ردع كييف عن أي تحرّكات أو هجمات مستقبلية في المناطق الشرقية، عبر إظهار موسكو نفسها صاحبة الكلمة العليا من خلال قدرتها على التصعيد.
مؤكدٌ أن اندلاع أي مواجهةٍ في شرق أوكرانيا الموعودة بدعم حلف شمال الأطلسي (الناتو) سيضع الحلفاء الغربيين في موقفٍ حرج للغاية، فالحشود العسكرية الروسية على الحدود الأوكرانية تجعل إدارة بايدن أمام أكبر امتحاناتها الروسية وأخطرها، في ظل انتهاكاتٍ لوقف إطلاق النار في الدونباس وقلق “الناتو”، في وقتٍ وصلت العلاقات بين روسيا والغرب إلى أدنى مستوياتها، وفق تعليق الوزير الروسي، لافروف.
ما زالت كييف، بعد سبع سنوات على الأزمة الأوكرانية، تأمل أن تكون الولايات المتحدّة مستعدّة اليوم للعب دور فاعل في عملية السلام المجمّدة
استعراض موسكو قدراتها العسكرية ليس جديدا، وأهميتها اليوم تأتي في إطار توجيه رسالةٍ إلى كييف بالدرجة الأولى، بعد حديث روسي متكرّر وتحذيرات من استعدادات لشن هجوم أوكراني على شرق البلاد، حيث يسيطر الانفصاليون المدعومون من روسيا.
حدث شي مشابه في أغسطس/ آب 2008 في إقليم أوسيتيا الجنوبية في جورجيا، حيث أوردت وسائل إعلام روسية خبراً عن كشف الأجهزة الروسية معلومات وقتها، أن جورجيا تستعد لاجتياح أوسيتيا الجنوبية، حيث كانت تتمركز قوات حفظ السلام الروسية، بعد تأكيداتٍ تلقاها الرئيس الجورجي آنذاك، ميخائيل ساكاشفيلي، بدعم واشنطن له، وأظهرت التجربة الجورجية أن الاحتفاظ بالقوات العسكرية بشكل متقدّم في مناطق النزاع المجمد والمتوقع اشتعاله، أكثر فاعليةً من استقدامها في ما بعد من أماكن انتشارها الدائمة.
ولا بد من الأخذ بالحسبان أن المساهمة التي قدمتها تركيا لأذربيجان في معارك استعادتها إقليم ناغورني كاراباخ، أوجدت، بين عديد من الأوساط الأوكرانية، أحاديث عن فرص تطبيق سيناريو مماثل لاستعادة أراضي إقليم الدونباس، الخارجة عن السيطرة، ولو بشكل جزئي “مبدئياً”. إلا أن الأوضاع في أوكرانيا وجنوب القوقاز بين أذربيجان وأرمينيا تشوبها اختلافات كثيرة، والمقارنة بشكل مباشر بين الحالتين غير واقعية، ولكن انتصار أذربيجان حرّك المياه الراكدة في نزاع آخر بين فضاء دول الاتحاد السوفياتي السابق ولفت الأنظار إلى عدة نقاط.
اندلاع أي مواجهةٍ في شرق أوكرانيا الموعودة بدعم حلف الناتو سيضع الحلفاء الغربيين في موقفٍ حرج للغاية
أظهر تجدّد المعارك بين باكو ويريفان، بعد ربع قرن من الجمود، فشل منصات المفاوضات الدولية، في تحقيق أي تسوية، فلم تتمكّن مجموعة مينسك من وضع حد لأزمة كاراباخ، وهي التي تأسّست في إطار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أوائل التسعينيات لحل النزاع بين الجارتين، أرمينيا وأذربيجان، وكانت برئاسة روسيا وفرنسا والولايات المتحدة، بينما كان التحرّك العسكري حاسماً خلال ستة أسابيع فقط.
ونجد تكرار تجربة كاراباخ مع أوكرانيا، التي دخلت في عملية مينسك للسلام غير الفعالة “حتى اليوم”، حيث تم توقيع الاتفاقات في العاصمة البيلاروسية في سبتمبر/ أيلول 2014 وفبراير/ شباط 2015 بين “الرباعية”، لتكون بمثابة خريطة طريقٍ نحو تسوية الصراع في دونباس، بينما لم يتم بعد تنفيذ الشروط المتفق عليها في مينسك بالكامل.
تولي أوكرانيا أهميةً كبيرة للتعاون مع تركيا في الصناعات الدفاعية، إذ تعتبرها الشريك الأهم لها في هذا المجال
ولا يمكن إغفال أهمية التحالفات الأمنية والسياسية والعسكرية الإقليمية، في حرب كاراباخ الثانية بين أذربيجان وأرمينيا، حيث كان لتعاون أذربيجان مع إسرائيل أهمية كبرى، خلال الصراع أخيرا، وكذلك لعبت المساندة التركية القوية لها دوراً رئيسياً أمام أي تحرّك روسي داعم لأرمينيا. وكان لكل من الدولتين دور في جزء من انتصار أذربيجان، وخصوصا ما يتعلق بالطائرات من دون طيار عسكرياً. وسياسياً عبر دور اللوبيات اليهودية في العواصم الكبرى.
وتولي أوكرانيا أهميةً كبيرة للتعاون مع تركيا في الصناعات الدفاعية، إذ تعتبرها الشريك الأهم لها في هذا المجال، وتعوّل عليها في عملية انتقال كييف من نظام الجيش السوفياتي السابق إلى معايير تتيح لها الانضمام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، حتى لو لم يكن هناك أي احتمال واضح لخطة عمل العضوية نحو الانضمام إلى التحالف العسكري الأطلسي، حيث أعطت التدريبات والمعدّات العسكرية التي قدّمتها تركيا لأذربيجان، ميزة حاسمة، وتغلبت تماماً على القوات الأرمينية بتدريبها وإمداداتها الروسية.
بتاريخ: 2021-06-12
أحدث التعليقات