ما حصل يدفعنا لدق ناقوس الخطر..
البداية..
عبد المجيد الهواس، أستاذ بالمعهد العالي للتنشيط المسرحي والثقافي، تخرجت على يده أجيال من المسرحيين، كان من بين الأوائل الذين أشاروا للموضوع، على حسابه في “الفايسبوك”، قال لـ “الأول”، “صحيح أنني لن أكون ضد مصلحة الشباب المتخرج، بل سأكون دائما إلى صفهم، في تكوين ذاتهم والبحث عن مصدر رزقهم، لكن أن يكون من ضمن الذين تم قبولهم موظفون بوزارة الثقافة وأسماء معروفة فإن الأمر غير مقبول”.
مؤكداً، “من جهة أخرى فإن الأمر في عمومه، هو محاولة لإفراغ الساحة المسرحية والثقافية من طاقاتها التي تكونت في وطنها، بل إن ذلك يجعلنا تابعين لأجندات تحت مسميات “عربية”، تحاول السطو على المشهد الثقافي المسرحي في المغرب، وهذا كله يجعلنا ندق ناقوس الخطر”.
ومن هنا تتناسل الأسئلة، أولاً كيف تم الاتصال بالمرشحين؟، ثم من هي الأطراف التي عملت على تسهيل عملية توظييف من هذه الحجم، مست جزءا كبيرا من أجيال تخرجت من المعهد العالي للفن المسرحي والثقافي؟( من المعلوم أن الدفعة الواحدة من خريجي المعهد لا تتجاوز 12 متخرجا)، وهل المصالح الحكومية المتمثلة في وزارة الثقافة على علم بهذه الهجرة الجماعية للفنانين المغاربة؟، أم أن المباراة التي احتضنتها مؤسسة المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، التابعة لها، تمت من دون موافقتها؟، بالإضافة إلى تفاصيل المباراة.. كيف تمت؟ ..والمراسلات التي تمت بين المرشحين ومختلف الأطراف التي أشرفت على المباراة بشكل مباشر أو خلف الكواليس؟ وما رأي الدولة المغربية في هذه الهجرة الجماعية لخريجي أزيد من خمسة أجيال من المعهد العالي؟ وما مستقبل الفن المسرحي في المغرب؟.
اعتدنا على سماع أخبار حول هجرة الشباب الذي لا يجد مستقبلاَ في بلده، ليرمي بنفسه في عرض البحر بحثاً عن حياة أفضل هرباً من واقع التهميش والفقر، كما تعودنا على متابعة قصاصات حول هجرة الأدمغة والأطر، لكن واقعة صادمة تخص هجرة حوالي 50 فنانا مسرحيا من خريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، هزت كياننا ومعنا الرأي العام المهتم بالمجال الفني والثقافي في المغرب. 50 خريجا اجتازوا مباراة للتوظيف والهجرة إلى دولة الإمارات في إطار مشروع تابع لوزارة التربية والتعليم الإماراتية، التي تعتزم إدماج مادة “المسرح” في جميع المستويات الدراسية، بهدف الاعتماد على خبرتهم التي راكموها في هذا المجال.
نقابة المسرحيين لها موقف!..
المباراة الخاصة بهجرة 50 خريجا من المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي تمت تحت إشراف إدارة هذا الأخير، لكن الصدمة هي أن وزير الثقافة والإتصال محمد الاعرج أكد لـ”الأول” أن الوزارة لاعلم لها بهذه المباراة، موضحا بعد أن طلب مهلة للاستفسار عن الموضوع، “لقد طالبت بتقرير مستعجل يوم الإثنين المقبل، وقد علمت أن إجراء المباراة في مبنى المعهد، وهو مؤسسة تابعة لوزارة الثقافة والاتصال، يعود لوجود شراكة بين المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، والهيئة العربية للمسرح”.
من جهته مسعود بوحسين رئيس النقابة الوطنية لمهنيي الفنون الدرامية، التي تعد فاعلا أساسيا في الساحة المسرحية في المغرب، نفى علمه بتفاصيل المباراة لكنه أكد أن المعلومة لم تكن سرية، موضحا أن توظيف مجموعة من خريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي من قبل دولة الإمارات، “تعود للظروف التي يعيشها هؤلاء الخريجين، المتمثلة في ظروف الاشتغال بالمغرب، التي لا تتناسب مع طموحاتهم”.
ويضيف نفس المصدر، “في البداية تم تعميم رسالة نصية على تطبيق الواتساب، مضمونها أنه سيتم تنظيم مباراة للتوظيف بدولة الإمارات العربية في مجال تدريس مادة المسرح، وعلى الراغبين إرسال سيرتهم الذاتية إلى رقم هاتف إماراتي اكتشفنا بعد ذلك أنه يعود لحسن النفالي”، وبالفعل فإن الرقم الذي كشفه المرشح هو ذاته الذي تواصل به الموقع مع النفالي.
كاتبة المدير يؤكد ذات المرشح “هي من تكلفت بتوزيعهم على مجموعات بعد أن اجتازوا الإمتحان الكتابي، لكي يستعدوا لإجراء الشق الشفوي في المباراة”، وهنا يظهر تورط المعهد بشكل مباشر في تنظيم ورعاية المباراة وليس احتضانها فقط.
“الأول” حاول تتبع خيوط هذه الواقعة الغربية، وللإجابة عن هذه الأسئلة تصلنا بعدد من الفاعليين في المجال المسرحي، وكذلك المعنيين بالواقعة بشكل مباشر، والذين توجه أصابع الإتهام إليهم في تنفيد وتدبير ترحيل 50 من خيرة خريجي المعهد العالي للتنشيط الثقافي والمسرحي، والذين صرفت الدولة مبالغ كبيرة من أجل تكوينهم وإعدادهم، إلى دولة الإمارات العربية المتحدة.
وتمنى بوحسين التوفيق لهؤلاء الخريجين، لكنه أوضح في ذات السياق، أن “توظيف الإمارات لخريجي المعهد العالي للتنشيط الثقافي والمسرحي هو تأكيد على أن المسرح المغربي يمتلك إمكانات كبيرة لا يعرف قيمتها الرأي العام المغربي، وتستفيد منها دول أخرى”.
كما كشف بوحسين أن “النقابة كانت على علم بمباراة التوظيف، وأن عدد المقبولين لا يتجاوز 40 مرشحا، ولكن النقابة أو حتى وزارة الثقافة لا تملك أي سلطة لمنع الخريجين المسرحيين من المشاركة في هذه المبارة، التي تعتبر بالنسبة إليهم فرصة للعمل”، مشيراً إلى أن “مباريات من هذا النوع كانت تتم دائماً، لكن هذه المرة الذي يمكن أن يثير ضجة هو العدد الكبير للمرشحين للهجرة”.
وأوضح بوحسين أن العلاقات الإماراتية المغربية متينة وقوية في المجال الفني والثقافي، وأن العديد من المخرجين والعاملين في المجال المسرحي يشاركون بكثافة في المهرجانات واللقاءات التي تنظمها الإمارات، من دون أن ننسى إمارة الشارقة التي تحتضن العديد من التظاهرات الثقافية المسرحية وتدعم عدداً مهماً من المبادرات والتظاهرات.
وتابع بوحسين “علينا جميعا وخصوصاً المسؤولين في البلاد، أن ينتبهوا إلى قيمة المسرحي المغربي، حتى لا تتكرر مثل هذه الوقائع، فعوض أن يتم تكوين مسرحيين وصرف أموال عليهم، لتأتي دولة وتستفيد من خبراتهم، يجب على الدولة المغربية، أن تخلق مجالات أكبر لهذه الطاقات ليستفيد منها المغرب، عموماً، والمجال الثقافي المسرحي خصوصاَ”.
وزارة الثقافة خارج التغطية..
النفالي في حديثه مع “الأول”، أكد أن “المبادرة هي لوزارة التربية والتعليم الإماراتية، وتقضي بإدماج مادة المسرح، في مناهج التعليم، إبتداءً من السنة الأولى إلى حدود مستوى الباكالوريا”، معتبراً أن “القرار جريء، وقد لجأوا لتفعيله إلى طاقات من ثلاثة دول، هي التي تعرف نشاطاً مسرحياً وثقافياً، وهي الأردن، تونس، والمغرب، ولا علاقة للهيئة العربية للمسرح بهذا الموضوع”.
مدير المعهد: دورنا لم يتجاوز توفير القاعة
أينما وليت وجهك يتردد اسم حسن النفالي باعتباره “اللاعب الأساسي”، في تسهيل عملية توظيف خمسين من خريجي المعهد، والذي “قام بدور رئيسي في عملية التواصل مع المرشحين”، بالإضافة إلى إدارة المعهد نفسها، وهو إطار سابق في وزارة الثقافة وأحد الأسماء المعروفة داخل الأوساط الفنية بالمغرب، وهو يشغل منصب قياديا فيما يعرف بـ”الهيئة العربية للمسرح” بالإمارات، والتي لها عدد من المشاريع مع وزارة الثقافة المغربية، وتوجه له الاتهامات بالإشراف على عملية التنقيب لصالح دولة الإمارات على الطاقات المسرحية المغربية.
“من بين من أشرفوا على مراقبتنا لحظة اجتياز الامتحان الكتابي، سالم الكويندي، وهو أحد الكتاب المسرحيين المغاربة، بالإضافة إلى ثلاثة أشخاص إماراتيين بينهم سيدتان، حيث أجبنا على حوالي 64 سؤالا”، يقول ذات المرشح.
وبالرغم من أن هناك اتهامات له بقيامه بدور أساسي في عملية الهجرة، حتى أنه تواصل مع عدد من المرشحين عبر تطبيق “الواتساب”، يدعوهم إلى الترشح، كما يتوفر “الأول” على مراسلات أرسلت من بريده الإلكتروني إلى جميع المرشحين، بالإضافة إلى واحدة يشكر فيها مدير المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، رشيد منتصر، وأخرى يشكر كاتبة المدير، على ما اعتبره “جهودا كبير لإنجاح المباراة”، إلا أن النفالي ينفي علاقة الهيئة العربية للمسرح، بالموضوع وعلاقته هو شخصيا بذلك، ويحصر تدخله في إخبار البعض من المرشحين الذين يعرفهم بالمباراة، حيث قال “لا.. أنا لم يكن لي أي دور أساسي في عملية التوظيف لصالح دولة الإمارات، بل إنني قدمت مساعدة لصالح هؤلاء الشباب الذين يبحثون عن فرص للعمل والتكوين، في إطار علاقتي الشخصية ببعضهم”.
بالنسبة لمدير المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، رشيد المنتصر فأكد أن “هجرة هؤلاء الخريجيين إلى دولة الإمارات، محزن لأننا سنفقد طاقات مهمة ليس في المجال الإبداعي فقط، بل في المجال التكويني أيضا، لكنه مفرح لأنه اعتراف بقيمة الطاقات المغربية”.
موضحا، ” بكل صراحة، فإن ماجعلنا نستضيف هذه المباراة في المعهد فهو أساسا الإتفاقية التي تجمعنا مع الهيئة العربية للمسرح”.
“الأول” سعى جاهدا للقاء أحد المرشحين للهجرة إلى الإمارات، لكن لا احد منهم تجرأ على الحديث، وبمشقة الأنفس قبل أحد الخريجين ممن شاركوا في المباراة وتم انتقائه ضمن الخمسين الذين نجحوا، الحديث، لكنه رفض بشدة ذكر اسمه، حيث أكد أن من استقبلهم كان مدير المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، رشيد منتصر، بقاعة المطالعة، “أعلم أن الدولة لم توفر لكم فرص الشغل وهذا مايحز في نفسي.. أرحب بكم.. منكم من أتذكرهم ومنكم من لا أعرفهم.. لكنني أتمنى لكم جميعا التوفيق”. كانت هذه هي الكلمة التي ألقاها أمامهم، وبقيت جملة “أعلم أن الدولة لم توفر لكم فرص الشغل..” ترن في أذان كل المرشحين، مخلفة حزنا وأسى عميقين في أنفس خيرة خريجي المعهد.
وكشفت وثائق يتوفر عليها “الأول” أن العملية تمت بسرية تامة، حيث شارك حوالي 64 مرشحا من خريجي المعهد العالي، في امتحان نظم بتاريخ 23 يوليوز الماضي، بمقر المعهد العالي بالرباط، من دون علم وزير الثقافة والإتصال، حيث قامت إدارة المعهد بالإشراف على تنظيم المباراة، بل مراسلة المرشحين، وتوصل 50 مرشحا من خريجي المعهد برسالة عبر البريد الإلكتروني، تقول أنهم قبلوا في الوظائف من دون أن يتم الحديث معهم عن العقد أو الأجر، إلى حدود كتابة هذه الأسطر.
مضيفاً “ثم إنني مغربي وأتواجد بالإمارات، وبالتالي فقد تم الاتصال بي من قبل الإماراتيين للمساعدة فقط، ولو لم أقم بهذه المساعدة سيقال أنني لا أقوم بأي دور لصالح أبناء بلدي، بالإضافة إلى أن الأغلبية من المترشحين هم من خريجي المعهد الشباب، وبالتالي هم ليسوا نجوم مسرحيين، وبالتالي فالأمر لن يكون له تأثير”.
مضيفا، “العامل الثاني هو حسن النية، في اتجاه تمني الخير لهؤلاء الشباب في إيجاد فرص للعمل والتكوين، وهو ماجعلني أقبل استضافة هذه المباراة عندما اتصل بي السيد حسن النفالي، عضو الهيئة العربية للمسرح”.
وختم مدير المعهد قوله، “لولا الإتفاقية ماكنت لأسمح بإجراء هذه المبارة في المعهد، والهيئة العربية للمسرح هي من اتصلت بنا، بعد تواصلها مع وزارة التربية والتعليم الإماراتية، كما أن دورنا لم يتحاوز منح القاعة لإجراء هذه المباراة”.
المرشح أوضح قائلا، “الرسالة النصية التي توصلنا بها والتي تحمل تهنئتنا على اجتياز المباراة بنجاح توصلنا بها من وزارة التعليم الإماراتية، ومن تم علمنا أنه قد استلمنا الإماراتيون، حيث تضمنت الرسالة رابط لموقع الوزارة وطلب منا إنشاء حساب خاص على الموقع، وملأ عدد من الإستمارات، وأسئلة حول الأقارب والأصدقاء، والديانة، والكفيل، والعديد من الأسئلة الدقيقة جدا”.
هكذا تم التخطيط لـ”الترحيل” الجماعي لخريجي المعهد..
الغريب في الأمر هو أن الكل يتنصل من علاقته بمباراة التوظيف هذه، سواءً تعلق الأمر بوزارة الثقافة المغربية أو الهيئة العربية للمسرح الإماراتية، أو المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي أو نقابة المسرحيين المغاربة، رغم أن الهيئة العربية للمسرح، توجه لها اتهامات مباشرة بتسهيل بعض أعضائها للعملية، وتواصلهم بشكل مباشر مع المرشحين لاجتياز هذه المباراة، وحتى إدارة المعهد العالي. هذه الأخيرة التي نتوفر على مراسلات من إحدى موظفاتها، وهي تخبر المرشحين بتاريخ اجتياز المباراة، كما أن هناك مراسلة أخرى من عضو الهيئة العربية للمسرح حسن النفالي يشكرها فيها على جهودها “الكبيرة” في السهر على التنظيم.
مؤكدا، “الهيئة العربية للمسرح لا علاقة لها بعملية التوظيف سواءَ في المغرب أو الأردن أو تونس، بل دورها أقتصر على إعداد المناهج الدراسية التي ستعتمدها وزارة التعليم الإماراتية، لتدريس مادة المسرح، معتمدةً على خبراء في المجال”.
وتابع ذات المصدر، “طلبوا منا بعد أن قامت كاتبة مدير المعهد الخاصة بتوزيعنا على مجموعات، أن نعود في اليوم الموالي لإجتياز الشق الشفوي من المباراة بأحد فنادق الرباط (سوفيتيل)، وبالفعل إجتزنا الإمتحان بالفندق، أمام لجنة مكونة من ذات الأشخاص الذين قاموا بحراستنا عند اجتيازنا الإمتحان الكتابي، كما أننا اكتشفنا وجود حوالي 14 مرشحا جديدا التحفقوا بنا في الامتحان الشفوي، أغلبهم فنانون موظفون بوزارة الثقافة والإتصال، وبينهم أسماء شهيرة في عالم الفن المغربي، مثل “بشرى ايجورك، عبد الله عدوي، وصفوت بن حيون”.
لكن مصادرنا الجد مطلعة أكدت أن “الرواية الحقيقية لما جرى، هي أن النفالي، الذي لعب دور الوسيط في العملية كلها، تدخل بطريقته، لدى ادارة المعهد بفضل علاقاته الواسعة والمتشعبة، وأقنعها بإجراء المباراة في المعهد بل إنه وظف كاتبة المدير في استراتيجيته وجعلها تشرف على تنظيم وتدبير المباراة”.
في النهاية.. بعد الحديث عن مغادرة ثمانية آلاف إطار عالي للمغرب، نحو الخارج، وبعد هذا الهروب الكبير للأدمغة المغربية، الدولة المغربية تتفرج في هجرة 50 فنانا من جيل الشباب، أي أن مستقبل الفن الدرامي يتسلل من بين أيدينا كالرمل، والكل يتفرج، ولا أحد يريد أن يتحمل مسؤولية ما يقع من نزيف مؤلم.
وأوضح المرشح، “بعد ذلك توصلنا برسالة عبر البريد الإلكتروني من إدارة المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، تتضمن دعوى إلى اجتياز المباراة يوم 23 يوليوز الماضي، بمقر المعهد، ثم رسالة الكترونية أخرى هذه المرة من حسن النفالي يؤكد فيها على موعد المباراة ويشكر إدارة المعهد على جهودها في إنجاح المباراة”.
أحدث التعليقات