ويوم الثلاثاء الماضي، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن “العمل العدائي ضد أي دولة قبيح، وله تأثيرات تمتد لسنوات” لكنه أضاف في لهجة تصعيدية غير مسبوقة ملوحاً بالحل العسكري للمرة الأولى: “محدش يقدر ياخد نقطة مياه من مصر، ولو حصل فالمنطقة ستدخل في حالة عدم استقرار لا يتخيلها أحد… ومحدش يتصور إنه بعيد عن قدرة مصر”. وأضاف في مؤتمر صحافي في قناة السويس أن مصر ماضية في خيار التفاوض بجدية وبصورة تحقق الربح للجميع، وأنها لا تهدد أحداً، ولكن المساس بالمياه بالنسبة لمصر خط أحمر.
في المقابل، قالت مصادر دبلوماسية مصرية اطّلعت على مجريات المفاوضات إن إثيوبيا رفضت بشكل مطلق من السبت إلى الإثنين آلية الوساطة الرباعية المقترحة من السودان ومصر، والتي لم يرفضها الاتحاد الأفريقي، وأبدت جميع الأطراف المعنية فيها، وعلى رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الاستعداد للمشاركة فيها بشرط اقتناع إثيوبيا بالموافقة. وأضافت المصادر أن الموقف الإثيوبي تحول قليلاً بين مساء الإثنين وصباح الثلاثاء، إذ طرح وزير الخارجية ديميكي ميكونن مقترحاً بتوسيع آلية الوساطة لتضم طرفاً أو طرفين جديدين، كدولة جنوب أفريقيا، أو الصين، الأمر الذي ظل محور نقاش موسع بين الوفدين المصري والسوداني، وبين كل وفد على حدة وحكومتي القاهرة والخرطوم من خلال اتصالات مستمرة على مدار الساعة، لكن لم تقبل الدولتان ذلك، واعتبرته تلاعباً بالوقت.
وقال مصدر إثيوبي مطلع لـ”العربي الجديد” إن بلاده مستمرة في اتّباع سياسة استنزاف الوقت، والدفع بمصر تحديداً إلى الحافة لاختبار مدى جديتها في تنفيذ التهديدات بالحل العسكري، في ظل ضمانات دولية مختلفة حصلت عليها أديس أبابا بأن القاهرة تخشى اتخاذ خطوة عسكرية خوفاً من العقوبات الدولية. وبالتالي فإن وجهة النظر الإثيوبية تتمثل في استمرار العمل على إنجاز الملء الثاني لسد النهضة في موعده المحدد، أو قبله، وفقاً للدراسات الفنية الأخيرة التي تتفاءل بفيضان مماثل لفيضان العام الماضي، ومن ثم وضع مصر أمام الأمر الواقع، الذي يصعب معه اتخاذ خطوات تصعيد عسكري ضد السد، وإلا فسوف تحل كارثة بيئية غير محمودة العواقب في السودان.
إثيوبيا رفضت بشكل مطلق من السبت إلى الإثنين آلية الوساطة الرباعية المقترحة من السودان ومصر
المهدي: خطوات إثيوبيا الأحادية بخصوص سد النهضة انتهاك واضح للقانون الدولي
من جهتها، قالت وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي، في تصريحات من كينشاسا، إن خطوات إثيوبيا الأحادية بخصوص سد النهضة انتهاك واضح للقانون الدولي.
وأوضحت المصادر أن إثيوبيا طالبت في حالة القبول بتوسيع آلية الوساطة بأن يتم تقليص سلطة هذه الآلية بما يضمن للدول اتخاذ قرارات سيادية خاصة، في إطار اتفاق المبادئ المبرم عام 2015، بما يعني إصرار إثيوبيا على إهدار المزيد من الوقت واستمرار وضع العصا في الدواليب لمنع التوصل إلى حل نهائي وإعاقة التوصل إلى ضمانات ملزمة بالتنفيذ.
وأعلنت الخارجية المصرية في بيان أمس أن إثيوبيا رفضت المقترح الذي قدّمه السودان وأيدته مصر بتشكيل رباعية دولية (تضم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة) للتوسط بين الدول الثلاث، ورفضت كذلك خلال الاجتماع كافة المقترحات والبدائل الأخرى التي طرحتها مصر وأيّدها السودان من أجل تطوير العملية التفاوضية لتمكين الدول والأطراف المشاركة في المفاوضات كمراقبين من الانخراط بنشاط في المباحثات والمشاركة في تسيير المفاوضات وطرح حلول للقضايا الفنية والقانونية الخلافية. وأضافت الخارجية أن إثيوبيا رفضت أيضاً مقترحاً مصرياً تم تقديمه خلال الجلسة الختامية للاجتماع الوزاري ودعمه السودان بهدف استئناف المفاوضات بقيادة الرئيس الكونغولي وبمشاركة المراقبين وفق الآلية التفاوضية القائمة، وهو ما يثبت رغبة مصر والسودان الجادة في التوصل إلى اتفاق حول سد النهضة، إلا أن إثيوبيا رفضت هذا الطرح، مما أدى إلى فشل الاجتماع في التوصل لتوافق حول إعادة إطلاق المفاوضات.
أعلنت مصر أمس الثلاثاء فشل الاجتماعات الوزارية في كينشاسا بين مصر وإثيوبيا والسودان التي عقدت لمدة ثلاثة أيام بحثاً عن توافق على آلية استئناف المفاوضات حول اتفاق ملء وتشغيل سد النهضة، في ظل اتساع الخلافات بين وزراء الخارجية والري في مصر والسودان من جهة، وإثيوبيا من جهة أخرى، وتعثر توصل رئيس الكونغو الديمقراطية الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي فيليكس تشيسيكيدي، ومسؤولي مفوضية الاتحاد الأفريقي، إلى حلول وسط، تضمن تلبية شواغل كل طرف. هذا الأمر أدى مساء أول من أمس الإثنين إلى طرح احتمالية صدور بيان منفرد من كل دولة، ثم تدخّل تشيسيكيدي بنفسه لتمديد الاجتماعات يوماً آخر بحثاً عن فرصة أخيرة للتوافق، لكن هذا لم يتحقق.
ورفضت إثيوبيا أيضاً أن تسند الدول الثلاث لآلية الوساطة جميع الملفات التي كانت السودان ومصر تطالبان بإيكالها إليها، وأولها صياغة اتفاق نهائي لقواعد الملء والتشغيل، بحيث ترعى الآلية صياغة نهائية وموحدة لجميع البنود التي شهدت المفاوضات السابقة خلافات واسعة بشأنها، ومنها وضع برنامج واضح ومسبق ومتفق عليه للملء المستمر والدائم للسد، والاتفاق على حجم التدفق اليومي من السد والذي سيصل إلى سد الروصيرص في السودان، والاتفاق على حجم التدفق العام في فترات الجفاف والجفاف الممتد. والملف الثاني هو القيام على ضمان سياسي وتفاوضي لتقديم إثيوبيا خطتها طويلة الأمد للاستخدامات الخاصة بالمياه، سواء كانت مخصصة لإنتاج الطاقة أو الزراعة أو غيرهما، تحقيقاً لمبدأ عدم الإضرار بدولتي المصب. والملف الثالث هو حسم المواضيع القانونية العالقة والتي من بينها التوافق على آلية فض المنازعات التي ستنشأ مستقبلاً حول تشغيل السد والملء، والبت في اقتراح مصري سوداني بأن تظل الآلية الرباعية هي مرجعية فض المنازعات وليس الاتحاد الأفريقي فقط. والملف الرابع هو القيام بضمانة سياسية في المقام الأول لالتزام إثيوبيا بتنفيذ الاتفاق واعتباره ملزماً بشكل نهائي، وعدم التراجع فيه، أو الالتفاف عليه. أما الملف الخامس فهو رعاية وضع أسس تفاوضية لأي اتفاق مستقبلي بشأن التطورات التي ستطرأ على حوض النيل الأزرق مثل السدود والمشاريع والبحيرات الصناعية. وذكرت المصادر أن إثيوبيا تصرّ أيضاً على إخراج الملفات الثالث والرابع والخامس المذكورة سلفاً من أي مفاوضات بوساطة دولية، زاعمة أن اتفاق المبادئ يكفي لحسم تلك المسائل.
أحدث التعليقات