البداية كانت في شهر نونبر المنصرم، حيث ما إن بدا أن أفواجا جديدة من المهاجرين غير النظاميين قد حطت بهم قوارب الهجرة حديثا بالتراب الإسباني حيث يحتشدون على رصيف أرغوينغوين بموغان، منطقة بجزر الكناري، حتى بدأ الاستعداد لاستئناف “حملة الكراهية”. وفي الوقت الذي تباشر السلطات المحلية إجراءات التعامل مع الوضع الجديد، بعد “استراحة” شهور الإغلاق العام الذي فرضته جائحة كورونا، حتى بدأ الإعداد من قبل المحرضين. كانت البداية بمجموعات على الوتساب تداولت صور ومقاطع فيديو لعنف وشجارات، غالبيتها إما قديمة أو مفبركة، ثم تحول الأمر إلى احتجاجات.
ففي الوقت الذي أعلنت الحكومة الإسبانية الإنذار ولجأت إلى الاتحاد الأوروبي مطالبة بالتدخل عن طريق خط مساعدات لمدريد لمواجهة الوضع، طالب المشاركون في الاحتجاجات المناهضة للهجرة بمساعدات لإقليم جزر الكناري وتقوية “الجدار الأمني الحدودي لصد قوارب الهجرة وإنقاذ السياحة بالمنطقة من الاحتضار”.
تطور الوضع بسرعة وتحول الكراهية إلى اعتداءات وشجارات استغلت بشكل مبالغ من طرف “جهات ما”، حسب الباييس. وتم الاعتداء على عدد من المهاجرين في أحياء متفرقة. وتعرض شاب مغربي وصل إلى إسبانيا قبل 12 عاما لهجوم بدون سبب. “لقد اتهموه بطعن الكناري، لكنه كان معي”، يقول صديق له في تصريح لـ”الباييس”.
لكن المثير في القصة هو أن هذه الاحتجاجات لم تكن “اعتباطية”، كونها أيادي خفية هي التي تقف وراءها، كما أن أهدافها لم تكن “بريئة”، لأن ما رفته من شعارات ليس سوى الجانب الفارغ من الكأس. هذا بالتحديد ما كشفته عنه “حقائق صادمة” أوردتها تقارير إعلامية إسبانية، إذ أكدت صحيفة “الباييس” واسعة الانتشار أن جهات معينة كانت تعد لـ”حملة الكراهية” هذه منذ شهور. حملة تم تنسيقها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصا تطبيق وتساب، وسرعان ما لقيت صدى لتنتقل في وقت وجيز من النقاش الافتراضي إلى حركة في الشارع.
هذه المعطيات كلها دفعت القضاء الإسباني إلى الدخول على الخط، حيث أمرت المدعية العامة بلاس بالماس، يوم الاثنين المنصرم، بفتح تحقيقات في “عمليات تحريض وكراهية” محتملة ضد المهاجرين، قال إن معلومات أمنية تفيد تورط أشخاص فيها، حيث استغلوا مجموعات على تطبيق وتساب للدعوة إلى استهداف المهاجرين بالمنطقة والاعتداء عليهم بشكل جماعي. فهل ستنجح العدالة في وقف نزيف هذه الحملات؟ مهما كانت نتائج التحقيق، يبقى السؤال مطروحا: من المستفيد من أوضاع محتقنة كهذه في وقت يبدو أن لا جهة في المجتمع في مصلحتها مواصلة التصعيد والكراهية ضد أناس لا ذنب لهم غير أنهم اختاروا الهجرة لهذه المناطق؟
يبدو أن العودة القوية للخطاب الشعبوي واليميني المتطرف في عدد من المناطق في أوروبا، والذي تتبناه جهات سياسية معادية للمهاجرين والمسلمين في بعض الدول، بدأ يؤتي أكله وسط بعض الفئات من الناس الذين يعتقدون أن وصول المهاجرين إلى بلدانهم، نظاميين كانو أو غير نظاميين، “نذير شؤم وجلب لكل شر”.
وهو ما أصبح أمرا واقعا يوم 7 نونبر، حيث خرجت مظاهرة هي الثانية ضد المهاجرين تزعمتها جمعية للصيادين. حضر هذه المسيرة رئيس بلدية موغان، أوراليا بوينو، ونائب من في الكونغرس عن مقاطعة لاس بالماس المنتمي لحزب فوكس اليميني، ألبرتو رودريغيز، حسب المعلومات التي أوردتها “الباييس”، لتطرح علامة استفهام كبيرة حول الاحتجاجات.
بالفعل، فقد سجل شهر نونبر رقما قياسيا تاريخيا في أرقام الهجرة غير النظامية، إذ حط ما يقرب من 8200 شخص الرحال بالمنطقة، وامتلأت المخيمات المؤقتة عن آخرها بالقادمين من أكثر من دولة إفريقية. لكن الفرصة كانت مواتية للمحرضين لمزيد من التعبئة السرية والضغط.
ففي ما تواصل الهيئات المدنية وخبراء التاريخ والاجتماع والساسة التأكيد على ضرورة التعايش السلمي وأن بلدان القارة العجوز هي المستفيد الأول من الهجرة، منذ القدم، بالرغم مما قد يبدو للوهلة الأولى مع وصول القوارب التي تعبر المتوسط من الجنوب محملة بالحالمين بـ”الأولدورادو”، لا يتوانى المعادون للمهاجرين في الترويج للأسطوانة المعهودة الهجرة تعني “غياب الأمن وانتشار الجريمة والعنف ونقصان فرص الشغل…”. وهي نفسها الشعارات من بين التي رفعتها مؤخرا خلال مظاهرات خرجت في منطقة لاس بالماس بجزر الكناري بإسبانيا، في عز إجراءات كورونا المشددة، حيث نادى المشاركون فيها بوقف “الهجرة السرية”.
أحدث التعليقات