شهورا بعد تنحيته من ولاية العهد في بلده الأردن، حدّث الحسن بن طلال صديقه، سعد الدين إبراهيم، في مقابلةٍ نشرها الأخير في مجلةٍ عربية، أنه في غضون موقعه ذاك، 35 عاما، تيسّر له غير مرّة أن يتولّى المُلك بإزاحة شقيقه الحسين، غير أنه لم يفعل، لأن أمرا كهذا ليس من شمائل الهاشميين. أما الأمير حمزة بن الحسين (41 عاما)، المُزاح من ولاية العهد في العام 2004، فمرجّحٌ إلى منزلة التأكيد أنه لم تتيسّر له أي “فرصة” مثل التي ألمح إليها عمّه. وعندما يتفادى البيان الحكومي الرسمي، المعلن أمس، اتهامه بمحاولته ترتيب انقلابٍ على أخيه غير الشقيق الملك عبدالله الثاني، فذلك، على الأرجح، لأنه أقلّ قدرةً على أمرٍ كهذا، غير أن رصد التحقيقات “تواصله مع شخصياتٍ مجتمعيةٍ لزعزعة الأمن” في البلد، واتصالاتِه، وآخرين، مع “جهاتٍ خارجيةٍ” بشأن “التوقيت الأنسب للبدء بتحرّكاتٍ لزعزعة أمن الأردن”، فإن هذا كلامٌ ثقيل، وبالغ الحساسية، وخطيرٌ من قبلُ ومن بعد، غير أنه مُربك، ويجيز السؤال عمّا إذا الأمر يتعلقُ بترتيبٍ لانقلابٍ على العرش، أم للتشجيع على مظاهراتٍ، تصعّد الأمير إلى المُلك، على ما “خمّنت” تحليلاتٌ وفيرةٌ، بعد مفاجآت الليلة الأردنية الساخنة، أول من أمس. وعندما تمتنع مؤسسة العرش، أقلّه حتى اللحظة، عن اتخاذ إجراءاتٍ أكثر من الإقامة الجبرية في “قصر السلام”، ضد الأمير، ومن اعتقال مقرّبين منه وعاملين معه، وسحب حراساته، فذلك قد يعود إلى حماية المؤسّسة الملكية من صورةٍ مُحرجة، وشديدة الشذوذ عن المعهود عقودا في دوائر العائلة الهاشمية، غير أن البيان الحكومي، الواضح جدا في مقاطع منه وبالغ الغموض في أخرى، يُخبرنا، إيحاءً، بأن لا أحد فوق القانون إذا لم يصل حوارٌ جارٍ في العائلة المالكة إلى ما هو مُرضٍ، سيما أن حمزة تعامل بسلبيةٍ مع ما أبلغه به قائد أركان الجيش صباح أول من أمس، بالتوقف “عن نشاطاتٍ وتحرّكاتٍ توظّف لاستهداف أمن الأردن واستقراره”، وتعمّد تاليا بث شريط قصير بالإنكليزية على شاشة “بي بي سي” عبر محاميه، وآخر بالعربية للجمهور الأردني، بدا فيهما ناشطا معارضا للسلطة، وإلى حد ظاهر، مناوئا لحكم الملك عبدالله الثاني.
جنوحُ حمزة بن الحسين، في الشريطين، إلى أن يكون “أميرا معارضا” غريبٌ عجيب في الأردن. وإذا مضت التحقيقات الرسمية إلى “الشفافية” التي وُعد بها الأردنيون، وكشفت أن ثمّة “موّالا آخر” في رأس الشاب الأربعيني، يتجاوز المعارضة، فإننا لا نصبح أمام حالةٍ تُشابه ما كان عليه طلال بن عبد العزيز، في ستينيات القرن الماضي، في السعودية، ولا حالة هشام بن مولاي عبدالله، ابن عم محمد السادس، المقيم في أميركا، وينشط في انتقاد المؤسسة الملكية في بلده المغرب، وإنما نصبح أمام حالةٍ هجينةٍ، ملتبسةٍ، ربما عصية على التفكيك في اللحظة الطازجة الراهنة، فأن يأتي الأمير، في تسجيله المصوّر بالعربية، على وعده والدَه الحسين بأن يكون مع الوطن وأبنائه، إبّان علاج الملك الراحل في مستشفى أميركي قبيل وفاته، فهذا كلامٌ ينطوي على رسالةٍ تضمر ما يتجاوز شعورا متوطّنا بمظلومية انتزاع ولاية العهد إلى ما هو أبعد منه، سيما وأنه يعطف حديث “الوعد” ذاك على كلامٍ عن فسادٍ وتراجعٍ في أداء مؤسسات الدولة، وعدم ثقة الأردنيين بهذه المؤسسات، وعن عدم استطاعة أحد “التعبير عن رأي في أي شيء من دون التعرّض للتنمّر والاعتقال والمضايقة والتهديد”. وبعد ساعاتٍ من الإنصات إلى أمير ينشط مغرّدا، وجائلا على عشائر وقبائل، ومعزّيا أبناء السلط في مصابهم أخيرا في واقعة المستشفى، تُخْطرنا الحكومة بأن جهاتٍ خارجيةً عرضت على زوجته تأمين طائرة لها للخروج من البلد!
الراجح أن الأردنيين صاروا أكثر تشوّقا لمعرفة الأجهزة والجهات والدول الخارجية التي أفرط البيان الحكومي في التأشير إليها من دون تسميتها، والذي يكاد يؤكّد ما نسبته “واشنطن بوست” إلى مصدر استخباري أردني قوله عن “مؤامرةٍ معقدةٍ وبعيدة المدى”. أما جنوح حمزة بن الحسين إلى ما هو أقلّ من انقلاب وأكثر من معارضة فأمر يستنفر مخيلات الأردنيين، مثلا عن والدته الملكة نور التي تغرّد من أميركا عن “اتهاماتٍ آثمة” (حسب ترجمة من الإنكليزية) ضد نجلها، وعن ولاية العهد التي تدحرجت كثيرا في المئوية الأردنية، منذ تنحية الملك طلال في 1952، مرورا بالأمير محمد ثم الحسن ثم عبدالله الثاني ثم حمزة الذي ستنعطف المحكياتُ عنه إلى ما هو مثير، بشأن شخصه، وما هو مقلقٌ بشأن المملكة نفسها. وفي الغضون، لا أحد يتذكّر قولة الحسن عن أخلاق الهاشميين التي لم تأذن له بالانقلاب على الحسين.
بتاريخ: 2021-04-05
أحدث التعليقات