لو سألنا شخصاً من عموم الناس عن تسمية الكويت لكرر مقولة أن هناك «كوتاً» لزعيم بني خالد بن عريعر، وبعد تَهدُّمه تم بناء كوت أصغر منه، فعُرِف بالـ «كويت» أي من باب التصغير، وبهذا عُرِفت الكويت…
هذه الرواية تتناقل على الألسن ومشهورة بشكل واسع، ولكن كما قيل «رب مشهور لا أصل له». تتبعت هذه الرواية كثيراً لأعرف هذا الكوت ومكانه وذكره وثائقياً وزمانه وأغراضه، وهل جرى توثيقه وتدوينه ولأي حاكم من آل عريعر تعود ملكيته؟ والحاصل معلومات متضاربة وغير دقيقة، ولطالما جاء على بالي الكثير من التسميات التي نُسِجت على أثرها روايات لا صحة لها، وكل هذا من باب التفسير، فالأوهام تنتشر فقط في محاولة للتفسير، وسأذكر مثالين على ذلك:
1- ذكر خورشيد باشا في «سياحتنامه» قبل 200 سنة أن لواء المنتفق سمي هكذا من «الاتفاق»، وهذه قطعاً معلومة خاطئة، فالمنتفق اسم رجل من بني عامر القيسية المضرية، جد لقبيلة اسمها المنتفق سكنت جنوب العراق منذ أكثر من 6 قرون، وهو جد لبني سعيد أحد أهم أثلاث لواء المنتفق.
2- نجد بعض الكُتاب ذكروا أن تسمية «الظفير»، لأن مجموعة عشائر تضافرت، وهذا أيضا غير صحيح، فاسم «ظفير» يرجع لرجل من بني لام الطائية.
كثير من التسميات تظهر فترة وتندثر، ولكن يبقى ما هو أصلها أو كيف برزت هذه التسمية، وكيف استخدمت؟
هنا يأتي دور المحقق التاريخي، والبحرين مثلاً كان هذا اسم إقليم واسع يشمل الأحساء، ثم انحصرت التسمية اليوم فقط على جزء من الإقليم القديم، وهي مملكة البحرين اليوم الجزيرة المعروفة، وتيماء شمال السعودية بناها الحاكم البابلي نابونيد، ومعناها الآرامي الأعجوبة، يثرب من الأماكن التي سميت بعهد نابونيد، وهي بمعنى «إيثا رب» بيت الرب وهكذا.
في خضم بحثي عما كان من الحضارات القديمة على أرض بلادنا الحبيبة الكويت، أو ما يمكن أن يمر بها، وجدت أنها تمثل حلقة وصل بين شبه الجزيرة العربية والعراق، في إحدى الموسوعات الأجنبية هناك وصف لإحدى المخطوطات يتناول رحلة تقدر بأواسط القرن السادس الميلادي كُتِبت بالسريانية، فيها رحلة لراهب من كنيسة نسطورية في المدائن تقريباً بالعراق، يريد بيت قاطارا – (قطر حاليا)، وبيت قاطارا هو اسم لكنيسة بُنِيت فيها سابقا، واشتهرت بها كما ذكر ذلك بطليموس – والهدف كان دعم الإرساليات النسطورية في هذه البقعة، هذه فترة تسبق الإسلام، وفيها تتوقف رحلتهم البحرية عند ساحل اسماه «كويتا»، ويعني بالسرياني الأرض الكاوية، أو الحارة، ويصفها بأنها حارة، وتقريباً حسب الذي يفهم من الوصف أنه يتكلم عن ساحل بقرابة «جون الكويت حاليا»، يصفها بأنها حارة لا تسكن، ومن ثم يكمل المسيرة إلى قاطارا.
بحثت عن أماكن أخرى سميت «الكويت»، فوجدت منطقة في الأهواز وأخرى بالقرب من واسط بالعراق على الحدود العراقية الإيرانية، وكان سبب التسمية أيضا شدة الحرارة! كل هذه التسميات تعود إلى الأصل الآرامي للكلمة، وقد أشار الباحث الأميركي غابريل سوما، السرياني الأصل، إلى تسمية الكويت بشكل عابر في أحد لقاءاته… لا يمكن أن نتجاهل المعلومات لأنها بوابة لفهم المزيد عن تاريخ هذه الأرض، والمعلومة هي أثمن من الذهب، كما قال يوليوس قيصر. كاظمة أو القرين أو إيكاروس ووارة أسماء لأجزاء من الكويت ذُكِرت تاريخياً، ولكن اشتهار التسمية واندثارها يعودان لأسباب سياسية واجتماعية، ولكل حادث حديث.
أحدث التعليقات