مقال منشور لنا في مجلة الانساب العراقية
مؤسسها وصاحب الامتياز
المرحوم النسابة السيد عبدالستار النفاخ
المقال بعنوان :
امارات القبائل العراقية بين التحقيق والتدقيق
نص المقال :
إمارات القبائل العراقية بين التحقيق والتدقيق
قال حمود الساعدي في كتابه ( دراسات عن عشائر العراق ) مكتبة النهضة، بغداد ص 5 : ” إن النظام العشائري الذي كان سائداً في العراق خلال الأربعمائة سنة الأخيرة هو : إن العراق كان يقسم من الناحية العشائرية إلى رايات ومناطق نفوذ، كراية خزاعة وراية ربيعة ورابة بني لام (طي) وراية زبيد وراية المنتفق وغيرها من التجمعات العشائرية، وليست كل واحدة من هذه الرايات كما يتصور البعض راجعة إلى أب واحد، وإنما هي تجمعات عشائرية كل واحدة من عشائرها ترجع في نسبها إلى أصل خاص بها، وتنقاد إلى شخص واحد يقال له شيخ العشيرة، وربما اتخذت العشيرتان أو الثلاث منها بنسب واحد، غير إنها من الناحية التناصرية والتعاونية تكون متحدة فيما بينها كل الاتحاد، تسير في حالة الحرب تحت راية واحدة، وتنقاد إلى شخص واحد يقال له شيخ المشايخ والملحوظ أن غالبية هؤلاء الشيوخ ليسوا من صميم العشيرة أو القبيلة التي يتولون رئاستها إنما هم من أصول عشائرية أخرى ليست لها أي صلة نسب بالعشائر التي يترأسونها ويتحكمون فيها، فليست لآل سعدون شيوخ المنتفق صلة نسب بقبائل المنتفق، وكذلك آل جشعم إلى قبائل غزية، وآل سويط بالنسبة إلى الظفير وهكذا، أما عن العشائر الصغار فحدث ولا حرج … وهذا النظام القبائلي ( بالنسبة إلى التجمعات العشائرية ) ويرتقي تأريخة إلى العصر الجاهلي فكثيرا ما كان يفعل العرب قبل الإسلام وبعده على التعاقد والتعاقد والتناصر ليكونوا أسد صولة على أقرانهم ومن هذا القبيل: الأحلاف والأحابيض وقثعمة والرباب والقارة وجمرات العرب وجمهرة العرب وتنوخ والظفير والمنتفق وغيرهم. “
ولعل قبائل جنوب العراق ترتبط بارتباطات روحانية أكثر مع ” السادة العلوية ” فلقد ذكر مثلا في كتاب عامان في الفرات الاوسط. للسيد عبدالجبار فارس. طبع في مطبعة الراعي في النجف الأشرف سنة 1353هـ / 1934 ص88 : ( السادة : يجل الشيعة العلويين عامة اجلالا عظيما يحترمونهم كثير فلا يجرؤ عليهم أحد كما أن كلمتهم فصل الخطاب ويندر أن يتصدر غيرهم مجلسا حضرة أحدهم، والسادة هم أبناء العلويين آل البيت، فإن أطلق كلمة (سيد) في الفرات على احد عرف أن نسبه ينتهي إلى أحد الأئمة الاثنا عشر عليهم السلام، ويعتبر كل شيعي أن للسادة حقا في ملكه الخاص وفي وارده ولذلك يقدمون مع الطاعة إلى السيد قسما من حاصلاتهم السنوية ويفتخر كافة الزعماء بمصاهرتهم.
كل هذا الإجلال دعا السادة أن ينتشروا في الفرات وعلى الأخص بين العشائر ويختلطوا معهم ويصاهروهم فكثرت ذريتهم ويندر أن نجد قرية خلت منهم أو عشيرة لا يحط معها بعضهم، وهم أينما حلوا كانوا من المقربين عند الشيوخ)
وفي أحد الشواهد على تداخل العلويين مع القبائل العراقية قبيل نهاية العهد العباسي بسبب الظروف التي مروا بها، فقد ذكر ابن الاثير الموصلي (555-630 هـ) في كتابه الكامل في التاريخ ج8 ص198 عن أحداث 472هـ : ” فِيهَا وَلِيَ أَبُو الْغَنَائِمِ الْمَعْمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَلَوِيُّ نِقَابَةَ الْعَلَوِيِّينَ بِبَغْدَاذَ، وَإِمَارَةَ الْمَوْسِمِ، وَلُقِّبَ بِالطَّاهِرِ ذِي الْمَنَاقِبِ، وَكَانَ الْمُرْتَضَى أَبُو الْفَتْحِ أُسَامَةُ قَدِ اسْتَعْفَى مِنَ النِّقَابَةِ، وَصَاهَرَ بَنِي خَفَاجَةَ، وَانْتَقَلَ مَعَهُمْ إِلَى الْبَرِّيَّةِ، وَتُوُفِّيَ أُسَامَةُ بِمَشْهَدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي رَجَبٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ. ”.
وقد صنف المعنيون في الأنساب أن الأحلاف في القبائل ثلاثة أنواع وهم: حلف راية ، حلف مجاورة ، حلف مشيخة.
فحلف الراية وهو الحلف الذي يقوم أساساً على الوحدة في الحرب بالمسالمة والدفاع والهجوم وذلك لحفظ توازن القوى بين القبائل ومحيطهم.
حلف المجاورة يقوم على أساس حفظ حقوق الجيرة ومراعاة الوئام والمودة وهذا يجعل الأجسام الصغيرة تذوب في الأجسام الأكبر منها لتكون حلف متناغم متصل ببعضه بروابط الثقة والمودة.
حلف المشيخة يقوم على أساس انتخاب وتفضيل جماعة أو شخص تكون في ذريته رئاسة التجمعات القبلية وقد يكون منتميا لأحد أجسام التجمع القبلي وقد يكون في أغلب الأمثلة بالعراق من العلويين والسادة الذين لهم المودة في قلوب الجميع.
قال المحامي عباس العزاوي رحمه الله في كتابه عشائر العراق ج1 ص22 في حديثه عن الإمارة : ( وقد تتقارب عدة قبائل، أو تتكاثر إلى أن تكون قبائل عديدة فيتولى إمارتها رئيس الفخذ الأول، أو أن ينال رئيس إحدى العشائر أو القبائل مكانة ويبدي همة زائدة لجمع الكلمة فيعول عليه … وهذا قليل، والعنعنة مرعية.
وذاك الرئيس هو (الأمير) . وفي نجد كلمة أمير عامة تقال لرئيس كل قبيلة، أو عشيرة ولكن أصل وضعها للإمارة على عدة قبائل وتولي رياستها …
وهذه علاقتها أكبر وان كانت أضعف من حيث التدخل في شؤون كل قبيلة. وإنما هي سيطرة عامة، وزعامة … تنظر في العلائق العامة بين القبائل كما أن رؤساء القبائل ينظرون إلى العلائق بين عشائرهم. وكذا تلاحظ مكانتها بالنظر للإمارات، أو القبائل الأخرى بين أن تكون على سلم، أو حرب، أو غزو … ).
الخلاصة أن علم النسب وفهم التداخلات وتفسير النصوص التاريخية تحتاج لمحققين منصفين وليس لكل من هب ودب وظن أنه نال من العلم مبلغاً لا يطاله أحد، وهناك فرق بين النص الذي يورده المؤرخ والذي يذكره الفقيه وبين الذي يذكره النسابة فلكل منهم درجته ومن يقول بعصمة النصوص وأخذها على ظاهرها فهذا يعاني من جهالة بليغة، فالقرآن الكريم والذي لا خلاف على نصوصه بيننا كمسلمين على إطلاق صحتها لا يمكن للجميع أن يخوضوا في تفسيره فيجعلون ظاهر النص على خلاف المراد فيه فقد تجلى ذلك في الأثر الصحيح عن أمير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب عليه السلام بقوله لابن عباس في أمر الخوارج : (فان القرآن حمال أوجه ) راجع } نهج البلاغة – طبقات ابن سعد – الاتقان في القرآن للسيوطي وذكره ابن الجوزي وابن الدامغاني وغيرهم { ، مما يعني أن النصوص تدرس وترجع لأصولها لمعرفة الزمن التي كتبت فيه وكيف ورد ذلك للمؤلف وما هو أصله ومدى دقته، ودمتم سالمين.
أحدث التعليقات