الاســتثمار فــي تكويــن وتحفيــز المدرســين قصــد جعلهــم الضامنيــن لنجــاح التعلمــات. فجـودة أي نظـام تعليمـي يحددهـا مسـتوى المدرسـين العامليـن بـه. لإنجـاح نهضتـه التربويـة، يتعيـن علـى المغـرب إيلاء لأهميـة الكبـرى لتثميـن هيئـة التدريـس والإرتقـاء بمسـتوى كفاءاتهـا وتأطيرهـا وفـق معاييـر مهنيـة صارمـة وجعـل مهنـة ووضعيـة المـدرس أكثـر جاذبيـة قصـد اسـتقطاب الطلبـة المتفوقيـن.
فبـدون تحـول عميـق للنظـام التربـوي، يضيف التقرير لا يمكـن بلـوغ أي هـدف مـن الأهـداف التنمويـة للمغـرب علـى مسـتوى ازدهـار المواطنيـن والتماسـك الاجتماعـي والنمـو الاقتصـادي والاندمـاج الترابـي. لذلـك، فـإن النمـوذج التنمـوي الجديـد يدعـو إلـى نهضـة تربويـة حقيقيـة لتحسـين جـودة التعليـم بشـكل جوهـري وإعـادة وضـع المدرسـة العموميــة فــي صلــب المشــروع المجتمعــي للمغــرب. فــي أفــق 2035 ،يجــب أن يمتلــك أزيــد مــن 90 %مــن التلاميـذ المهـارات المدرسـية الأساسـية عنـد نهايـة مرحلـة التعليـم الابتدائـي، مقابـل أقـل مـن 30 %حاليـا.
كشف التقرير العام الذي أعدته اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، أن النموذج الجديد يطمح إلـى إحداث نهضـة حقيقية للمنظومـة التربويـة، فالمدرسة المغربية يجب أن تمكن كل متعلم مــن اكتساب المهارات الأساسية لضمان اندماجه الاجتماعي، ودعم نجاحه الأكاديمـي والمهنـي.
لهـذا الغـرض، تعتبـر اللجنة الخاصـة بالنمـوذج التنمـوي بأنـه مـن الضـروري الشـروع فـي إجـراء تغييـر عميـق فـي مهـن التدريـس. ويمكـن القتراحيـن ملموسـين أن يسـاهما فـي إطـاق هـذا التغييـر: 1 )التحسـين الجوهـري لجـودة تكويـن المدرسـين، الـذي تسـهر عليـه حاليا حوالي عشـرون مؤسسـة )المـدارس العليـا للتربية والتكويـن، المدارس العليا للأسـاتذة،
المراكـز الجهويـة للتربيـة والتكويـن(، مـن خـال إحـداث مركـز التميـز لمهـن التدريـس. وبتموقعـه كآليـة لتأميـن الجـودة، سـيكون هـذا المركـز جهـازا مرنـا يسـهر علـى تأطيـر ومواكبـة مؤسسـات التكويـن الحاليـة المكلفـة بتكويــن مهنيــي التعليــم، مــع الحفــاظ علــى اســتقلالية كل مؤسســة.
وسجل التقرير، الذي اطلعت عليه “فبراير” أن هذه الوضعية ساهمت في إبطاء وتيرة الإصلاحات وفي خلق أجواء عميقة من عدم الثقة، في ظل ظروف يطبعها نباطؤ النمو الاقتصادي وتدهور جودة الخدمات الخاصة.
وأضاف التقرير الذي اطلعت عليه “فبراير”، أنه يجـب أن تصبـح هـذه المدرسـة بوتقـة لتكويـن شـباب متفتـح يطـور ذاتـه ويصنـع مسـتقبل المغـرب، مـن خـلال تلقينـه معنـى الاسـتقلالية والمسـؤولية وأخالقيـات مطبوعـة بالقيـم الانسـانية الراسـخة فـي الهويـة المغربيـة وفكـر منفتـح وقـدرة علـى التأقلـم مـع التحـولات السـريعة التـي يعرفهـا العالـم.
كشف تقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي أنه ورغم التوسع الملحوظ في سلطة واختصاصات الحكومة بموجب الدستور، اتسمت الائتلافات الحكومية المتتالية بتوترات متكررة وبدينامية سياسية لا تحفز بالشكل الكافي على التقاء الفاعلين حول تصور للتنمية الاقتصادية والاجتماعية يضع المواطن في قلب الاهتمام ويسمح بتجسيد روح الدستور الجديد.
ومــن خــال موقعهــا كمنظــم ومركــز للخبـرة ومختبـر للابتـكار ووكالـة لرصـد الوسـائل تكـون مهمتهـا ضمـان جـودة تكويـن مهنيـي التعليـم عـن طريـق مجموعـة مـن آليـات الدعـم المقدمـة لمؤسسـات التكويـن المتخصصـة.
وفـي هـذا الإطـار، تقتـرح اللجنـة تسـريع ديناميـة التغييـر تسـريعا دالا عبـر أربـع رافعـات قصـد الإرتقـاء بجـودة نظامنـا التربـوي والتكوينـي بشـكل جوهري:
وأبرز التقرير أنه، “يتطلـب تجسـيد هـذا الطمـوح تجـاوز الأزمـة الثلاثيـة الأبعـاد التـي يعيشـها النظـام التربـوي المغربـي: أزمـة جـودة التعلمـات، التـي تتمثـل فـي عـدم إتقـان أغلبيـة التلاميـذ للمهـارات الأساسـية فـي القـراءة والحسـاب واللغـات، فـي نهايـة مسـارهم الدراسـي، أزمـة ثقـة المغاربـة إزاء المؤسسـة التربويـة وهيئتهـا التعليميـة، أزمـة فــي مكانــة المدرســة التــي لم تعــد تلعــب دورهــا فــي الارتقــاء الاجتماعــي وتشــجيع تكافــؤ الفــرص.
وأكد التقريرأن الإصلاح الدستوري لسنة 2011 لم يتم تفعيله داخل الآجال المنتظرة، ولم يتم إسناده بحلول شاملة ومندمجة لخصوص التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
كمـا يقتضـي تحقيـق هـذا الطمـوح تغييـرا نسـقيا يشـمل المحـددات الأساسـية لجـودة التعليـم. ولأجـل الشـروع فـي إرسـاء النهضـة التربويـة للمغـرب، يدعـو النمـوذج التنمـوي الجديـد إلـى إصلاحـات طموحـة مـن شـأنها تعزيـز واسـتكمال رؤيـة 2030 والقانـون الإطـار المنبثـق عنهـا، هـذا بالإضافـة إلـى الرفـع مـن قـدرات النظـام التعليمـي مـن حيـث الصمـود والتكيـف مـع أوضـاع تفـرض إكراهـات شـبيهة بتلـك التـي رافقـت الأزمـة الصحيـة كوفيـد-19 مـع إيجـاد حلـول مالئمـة للإكراهـات المتعلقة بتعميـم وتطوير ربـط المؤسسـات التعليمية بالأنترنـت وتعزيـز كفـاءات المدرسـين فـي مجـال الرقميـات.
وفـي هـذا الإطـار، يجـدر فـي المسـتقبل تعميـم مسـار التكويـن الأولـي لمـدة خمـس سـنوات علـى جميـع المدرسـين، والـذي لا يشـمل حاليـا سـوى 10 %مـن الملتحقيـن الجـدد بالمهنـة، مـع تمكيـن المدرسـين الممارسـين مـن تكويـن مسـتمر منتظـم وإشـهادي يمكنهـم مـن تعزيـز قدراتهـم المهنيـة،
تصـور مسـار مهنـي جديـد للمـدرس يهـدف إلـى تقويـة جاذبيــة هــذه المهنــة لــدى الطلبــة المتفوقيــن، مــع حــث المدرســين الممارســين علــى تحســين أدائهــم عــن طريـق توفيـر المزيـد مـن إمكانيـات الترقـي والتطـور فـي الأجـرة المشـروطة حصريـا بالنتائـج.
أشار نفس المصدر أن أزمــة كوفيــد-19 فاقمت عوامــل الضعــف هاتــه، بحيــث ســاهم توقــف الدراســة خــال الفتــرات الأولــى مــن الحجـر الصحـي وضعـف اسـتعداد النظـام التعليمـي علـى التأقلـم مـع نمـط التدريـس عـن بعـد، فـي تفاقـم التفاوتـات فيمـا يخـص مسـتوى تحصيـل التلاميـذ وإضعـاف أداء المنظومـة التعليميـة بأكملهـا.
ويتعيـن، كشـرط أولـي لهـذا الإجـراء، وضـع نظـام جديـد لتقييـم المدرسـين يأخـذ بعيـن الاعتبـار أثرهـم الملحـوظ علـى تعلـم التلاميـذ وتطورهـم المهنـي. ويجـب أن يكـون إعـداد نظـام تدبيـر المسـار المهنـي المقتـرح موضـوع حـوار مـع كافـة الشـركاء.
إعـادة تنظيـم المسـار الدراسـي ونظـام التقييـم لضمـان نجـاح كل متعلـم. فـي إطـار النمـوذج التنمـوي الجديـد الـذي يدعـو إلـى إدمـاج جميـع المواطنيـن، يجـب علـى المدرسـة الوطنيـة أن تحـدد طموحـات عاليـة لـكل طفـل وألا تتخلـى عـن أي تلميـذ رغـم الصعوبـات التـي قـد تعترضـه. فجـزء مهـم مـن التلاميـذ معـرض حاليـا لتراكـم النواقـص التـي يصبـح مـن الصعـب تجاوزهـا فـي ظـل تعلمـات ضعيفـة قـد تفاقـم معضلـة الهــدر المدرســي.
أحدث التعليقات