وفي قراءة أولية للتقرير الذي أمرالملك محمد السادس، بنشره وشرح خلاصاته وتوصياته للمواطنين ومختلف الفاعلين، بكل جهات المملكة،اعتبر الخبير الاقتصادي عمر الكتاني، أن التقرير غير مقنع بشكل كبير ويفتقد لوضوح الرؤية.
وأوضح الكتاني في تصريح لـ “نون بريس”، “أن مشروع نموذج التنمية المقدم للملك، لم يكن في مستوى الطموح لأن الدباجة الأولية تفتقر لتشخيص عيوب النموذج السابق ،و بما أنه لم يكن التشخيص فكان عبارة عن مجموعة من الاقتراحات مجزئة وليست مركبة، لا تعطي نظرة واضحة عن عيوب النموذج السابق و التوجه الأساسي للنموذج الحالي، مما يجعلنا نطرح العديد من الأسئلة : هل هو نموذج اقتصادي من مسؤولية الدولة بالأساس؟ أم نموذج ذو طابع اقتصادي اجتماعي؟ أم نموذج ليبيرالي محض ؟، بمعنى أن هوية التقرير “غير واضحة” لأنه غير مبني على نظرة شمولية للواقع السابق للنموذج الاقتصادي السابق”، وفق تعبيره.
وأوضح الخبير الاقتصادي، أن مشروع النموذج التنموي تضمن خطابين أساسيين،الأول تقليدي؛ لأنه يحث على إصلاح الإدارة وتحرير المبادرة الخاصة وتخفيض كلفة وسائل الانتاج وعلى رأسها الطاقة وتوجيه الاستثمار الخاص و الاستثمار العمومي للقطاعات الجديدة، وهذه كلها نقط معروفة وغير جديدة ولم تقدم أي قيمة مضافة.
وبالإضافة إلى ذلك، أفاد الكتاني، أن هناك خطاب آخر فيه عناصر مهمة جدا ولكن مر عليها الخطاب بشكل سريع، و على رأسها؛ خلق قطاع ثالث ولكن دون تقديم توضيحات بخصوص هذا القطاع من حيث عناصره وفضاءه وتمويلة والمؤسسات المتعلقة بهذا القطاع، فبالإضافة إلى خلق قطاع ثالث هناك فكرة أخرى مهمة تطرق لها التقرير حول استقلالية القضاء، ولكن للأسف مر عليها التقرير كذلك مرور الكرام دون تقديم توضيحات،بالرغم من أن استقلالية القضاء يعتبر عنصرا سياسيا بالأساس ذو أهميته كبيرة من الناحية الاقتصادية، ولكن الخطاب ذكره بسرعة كبيرة ولم يركز عليه كعنصر أساسي.
و تابع “لهذا فأنا كنت أتصور أن الحل سيكون في هذا القطاع الثالث الذي هو في مناطق البادية،لذلك من وجهة نظري فإن تحويل 15 قرية إلى 15 مدينة كان سيساهم بشكل كبير في تنمية الاقتصاد الوطني”، مستشهدا بذلك بتحويل إدريس البصري قرية سطات إلى مدينة تحتوي على جامعة ومستشفى وحي سكني، “3عناصر حولت سطات إلى مدينة بها حركة اقتصادية كبيرة ونشاط اقتصادي وعلمي، لو اخدنا بهذا النموذج وعممناه بـ 15 قرية في المغرب وحولناها إلى مدن بها 15 جامعة و15 مستشفى و15 حي سكني اقتصادي وتركنا القطاع الخاص يشرف على البقية كانت ستتحول تلك القرى إلى مدن يكون المضاعف التشغيلي بها والاقتصادي و الاستثماري بها عالي جدا وبالتالي سنخلق التوازن بين المدن والقرى وسنوقف هجرة 60 الف أو 100 الف مغربي للمدن” .
واسترسل “لكي نخلق تلك المدن يستلزم علينا تكوين ساكنة القرى في مجالات متعددة، من أجل بناء مدينتهم و إحياء تلك المدن وذلك من خلال تكوينهم في مجالات مختلفة وبالتالي نخلق في كل قرية مركب التكوين المهني مركب جامعي مركب صحي مركب ثقافي وسنلاحظ بفضل ذلك أن تلك المركبات ستحول مجموعة من القرى الى مدن بكل معنى الكلمة “، وبالتالي “هذا المشروع هو الكفيل بجعل الرجل الاقتصادية و الرجل الاجتماعية قابلة للمشي بشكل سريع جدا”، مشددا على أن الرجل الاجتماعية بالمغرب تعاني من عدة اختلالات على خلاف الرجل الاقتصاددية، لأن 40 في المائة من سكان البادية يفتقرون للخدمات ويعانون من هجرة الشباب إلى المدن كما يعانون من تهميش مستقبلهم بسبب ضعف التشغيل وضعف التكوين ضعف الاندماج الاقتصادي “.
انتظر المغاربة لسنوات نموذجا تنمويا قادرا على الاستجابة لتطلعاتهم ومشاكلهم المستعصية والتي تهم بالأساس التعليم والصحة والشغل، ليتم مساء الثلاثاء 25 ماي الجاري تقديم تقرير هذا النموذج من طرف رئيس لجنتها شكيب بنموسى إلى الملك محمد السادس.
وأوضح المتحدث ذاته إلى أن كل هذه المعطيات توضح مدى أهمية الاستثمار في البادية، ولكن للأسف النموذج التنموي المقدم تجاهل هذا التشخيص و لهذا فإن القطاع الاجتماعي الذي هو القطاع الثالث والذي كان من المقترحات العابرة في التقرير لم تفسر بعدها ولا عمقها وتأثيرها على تشغيل الشباب ولا فضائها ولا تمويلاتها هذا كله ناقص.
والنقطة الثالثة التي لم يتطرق لها التقرير بشكل مفصل حسب الكتاني، هي “مقاومة الريع” التي تعتبر نقطة مهمة جدا متعلقة بمردودية القطاع العام أو الإدارة بشكل عام ولكن للأسف مر عليها التقرير كذلك بشكل سريع، ولهذا فإن هذه العناصر الثلاث التي كان من الممكن أن تكون هي الرافعات للاقتصادي المغربي لم يتم التركيز عليها بالشكل المطلوب.
وأشار الكتاني إلى أن كل هذه المعطيات تؤكد أن المردودية في البادية ضعيفة (بما فيها الفلاحة) إلا في حال تساقط الأمطار، حيث يقدم 40 في المائة من السكان على زيارة المدن من أجل التسوق و التطبيب و الخدمات الأخرى وقضاء مجموعة من الأمور التي يفتقدونها بالبوادي وهو ما يجعل عجلة الاقتصاد تتحرك شكل سريع وبالتالي في حال كان العكس؛ أي غياب التساقطات المطرية خلال السنة فإن الاقتصاد الوطني يتحرك بنسبة بطيئة جدا لا تتجاوز 2.5 في المائة.
ويرى الخبير الاقتصادي من خلال تصريحه، أن “البدائل التي كان من المفروض على المشروع تقديمها واعطاء أهمية أكبر لها ، هي؛ “القطاع الثالث” على اعتبار أن هو المشكل وهو الحل في آن واحد ،لأن 40 في المائة من سكان المملكة يعشون في البادية، وبالتالي إذا كانت التساقطات المطرية مهمة خلال السنة، يكون الموسم الفلاحي جيد و النمو الاقتصادي يصل إلى 6 في المائة أما في غياب التساقطات المطرية فلا يتجاوز النمو الاقتصادي 2 إلى 2.5 في المائة، بمعنى أن القطاع الفلاحي الذي يمثل أقل من السدس في الدخل الوطني هو الذي يتحكم في ثلثي النمو الاقتصادي (2-6 في المائة)،وذلك لأن العاملون في القطاع الفلاحي غالبا ما يفتقدون لتكوينات في مجالات أخرى ولايدركون سوى الاشتغال في الفلاحة وبالتالي فإنه وفي غياب التساقطات المطريةيشهد النمو الاقتصادي انخفاضا كبير ليصل الى 2 في المائة”.
وشدد على أن هذا “هو المشكل الحقيقي الذي يعاني منه المغرب اليوم، وبأن حله واضح وهو “إعطاء أولوية أكبر للقطاع الثالث” الذي يستوجب هندسة اجتماعية واضحة وسوق مالية اجتماعية وأطر خاصة لتسيير المؤسسات الاجتماعية وفضاء اجتماعي وهو البادية بالإضافة إلى أولويات اجتماعية وهي التعليم والصحة والسكن والنقل في هذه المدن لكي لا يظل قطاع البادية هو الوحيد الذي يغطي القطاع غير المهيكل لأن 70 أو 80 في المائة من العاملين بهذا القطاع من سكان البادية بدعوى افتقارهم لتكوين يسمح لهم بالاندماج في الاقتصاد العصري والمنتج” .
وأضاف ” للأسف هذا المشكل لم يتم تشخيصه في التقرير وبالتالي لم يتم حله من خلال التقرير، وهذا مؤسف جدا “
وتساءل الكتاني عن عناصر الأشخاص المشرفين على تقرير النموذج التنموي في لجنة بنموسى وتكوينتهم وانتاجهم العلمي في هذا المجال”، مشيرا “إلى أنهم غير معروفين”.
وتابع أن المشرفين على التقرير استاعنو باقتراحات المجتمع و اقتراحات المؤسسات ومع ذلك أنجزوا مشروع فيه جميع المواد، ولكن للأسف كانت عبارة عن خليط من المقترحات بدون رؤية واضحة وهوية بدون قرآة واضحة وبدون منظور استشرافي للتوازن الاقتصادي مع التوازن الاجتماعي الذي ظل مفقودا في التقرير وبالتالي كانت النتيجة غير مرضية وباهتة”، وفق تعبيره.
أحدث التعليقات