فؤاد بوعلي
وأخيرا خرج تقرير المهمة الاستطلاعية المؤقتة لقنصليات المملكة المغربية بالخارج إلى النور. فبعد أشهر من الانتظار والترقب، كشف التقرير البرلماني الذي أعدته الهيئة التي أحدثتها لجنة الخارجية والمغاربة المقيمين في الخارج بمجلس النواب، عن العديد من العراقيل التي تواجه مغاربة العالم في حياتهم اليومية وعلاقتهم بالقنصليات المغربية بالخارج. ومن العناصر المهمة التي توقف عندها معدو التقرير الضعف الكبير لمستوى اللغة العربية لدى أبناء أفراد الجالية المغربية، مطالبين بتكثيف الجهود لتجاوز ذلك. حيث رصدوا وجود هوة كبيرة بين الجيل الثالث والرابع للجالية المغربية، وبين اللغة العربية بل لا حظوا أنه في عدد من المدن الأوروبية، لا يتلقى أبناء الجالية المغربية، أي دروس في اللغة العربية، فيما تبرمج في مدن أخرى، حصص بشكل متقطع.
والواقع أن التقرير إن كان قد كشف عن غياب الاهتمام بلغة الضاد في المعيش اليومي للمغاربة في دول الإقامة، فإنه أبان عن غياب استراتيجية رسمية واضحة لدى الدولة المغربية للاهتمام باللغة العربية باعتبارها مكونا رئيسا من مكونات الهوية والثقافة المغربيتين. إذ لا يكفي النظر إلى المغربي القاطن بدول أوروبا أو أمريكا باعتباره أداة لجلب العملة الصعبة أو قوة عددية للتأثير في القرارات السياسية، بل ينبغي النظر إليه، قبل كل شيء، باعتباره امتدادا ثقافيا وهوياتيا خارج الحدود الجغرافية وليس الانتمائية. إذ يحتاج واقع المغاربة بالخارج وأسئلتهم وآمالهم إلى كثير من التأمل والإلحاح في الطرح وإعادة النظر. فقد لا تكفي الزيارات الرسمية التي يقوم بها المسؤولون والصور التي تلتقط لكي نقول بأننا قد استوعبنا طموحات أبناء الجالية المغربية وأسئلتهم المتعددة والمتكررة. فغياب الدولة عن الهم الثقافي واللغوي لأبناء المهجر يكرس مع الوقت قطيعة مع الوطن وهمومه والانتماء إليه. وأهم تجليات الغياب الإشكاليات التي يعاني منها تعليم العربية والثقافة المغربية. إذ يتفق العديد من المتتبعين لشؤون المهاجرين المغاربة على وجود أزمة عميقة فيما يخص تعليم اللغة العربية، بسبب غيابه في العديد من المناطق والجهات، وحين يحضر تتنوع أنماطه بشكل كبير على نحو غير متكافئ من حيث التأطير والاستفادة، علاوة على تنوع الفاعلين الكلاسيكيين بمن فيهم الدوائر العمومية والأوساط الجمعوية والمساجد والمراكز الثقافية الإسلامية، مما يجعل الميدان يتخبط في ارتجالية في التسيير والتخطيط بالرغم من جهود منظمات المجتمع المدني. لذا فتعليم العربية ينبغي أن يعتمد على مقاربة علمية تستحضر الواقع في دول المهجر بشروطه الثقافية والسياسية المستجدة، مع الحفاظ على الانتماء للهوية المغربية بشروطها الثقافية والعقدية واللغوية، وذلك باعتماد نهج تربوي وبيداغوجي يسلط الضوء على سبل تحقيق أهداف تعليم اللغة العربية وتعلمها. وهذا يستوجب أولا رسم معالم سياسة لغوية وطنية تروم ضبط مجالات التداول اللسني للغة العربية واستشراف مقومات النهوض بها في المهجر، وثانيا الاعتراف بقيمة العربية ودورها في ربط المغاربة بوطنهم هوياتيا ولغويا، وأخير الاقتناع بأن غياب الدولة المغربية عن الشأن اللغوي داخليا وعدم سن سياسة لغوية مندمجة وواضحة المعالم لن يؤثر على الذات فقط بل على علاقة الوطن بأبنائه ومدى ولائهم لثوابته. فجيل بلا لغة هو جيل بلا انتماء.
أحدث التعليقات