وأبرز العلام أن تقرير لجنة النموذج التنموي حتى إذا كان جيدا، كيف يمكن تطبيقه وهو يغفل جانب حقوق الإنسان؟، حيث وردت فيه عبارة “حقوق الإنسان” خمس مرات فقط، وعبارة “الحرية” 24 مرة، متسائلا كيف يمكن تنمية الإنسان وإغفال حقوقه وحرياته؟.
قال عبد الرحيم العلام أستاذ الفكر السياسي والقانون الدستوري بجامعة القاضي عياض بمراكش، إنه بقراءة خفيفة لتقرير لجنة النموذج التنموي، يظهر أن تقرير الخمسينية أفضل منه بكثير.
وأكد العلام أن المشكل ليس في التقارير، فهي في كل الأحوال شيء إيجابي وليس معيبا، فالبحوث والدرسات مهمة، نخضع من خلالها السياسة للعلم، لكن العيب هو أن يصبح إصدار التقرير هو غاية في حد ذاته، ويصبح أقصى إنتاج وإنجاز هو إصدار التقرير.
وأوضح أنه إذا لم يكن الإنسان وحرياته وحقوقه في صلب أي تقرير فلا يمكن القول بأنه جيد وناجح، فالتقرير بنفسه يتحدث عن الدستور والانتخابات وعن التنمية، بمعزل عن الجانب الحقوقي، وعن الحريات المدينة والسياسية.
وشدد العلام على أنه لو كنا فعلا نطبق توصيات التقارير لكن الأمر جيدا، ولما احتجنا أصلا للجنة النموذج التنموي، لأن المشكل ليس في التقارير بحد ذاتها بل في عدم تطبيقها.
وتساءل العلام كيف يمكن المغاربة الذهاب لصناديق الاقتراع وأمامهم حكومة لا تحرك ساكنا إزاء انتهاكات حقوق الإنسان؟، وكأنه لا دخل لها في الحقوق ولا في الجانب المتعلق بالعدالة؟.
وأشار أن أي لجنة لتضع تقريرا معينا يجب أن تتوفر فيها شروط موضوعية، ومن المفروض في أعضائها أن يكون لهم أفكار وتصورات، ولا يقومون فقط بالاستماع للناس، وإصدار تقرير يعكس آراء المواطنين والمواطنات.
وأضاف ” اليوم وزير حقوق الإنسان ليس بمقدوره التعبير عن رأي بشأن اعتقال الصحفيين وقمع المتظاهرين ومنعهم من الاحتجاج سلميا، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان وهو الوصي والمؤتمن على توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة ليس بمقدوره حتى التدخل لطلب محاكمة عادلة لمواطن يشرف على الموت”.
وشدد العلام على أن السياق الذي صدر فيه تقرير لجنة النموذج التنموي لم يكن جيدا، إذ أننا نعيش حالة مفرطة من اللجوء السياسي خارج المغرب، وارتفاعا في حالات الانتحار، وحالات مفرطة في اعتقال الصحفيين، وإغلاقا لمؤسسات صحفية، واحتجاجات في قطاعات حيوية مثل التعليم.
وأكد أن هذا السياق يشكك في إمكانية أن هذا التقرير يؤتي مفعوله، فلدينا استعداد للانتخابات بعقلية الضبط، وقانون انتخابي يكون التصويت فيه على أساس المسجلين، أي بعقلية ضبطية.
وتساءل العلام أين وصل تقرير الخمسينية؟، ولماذا لم تتم الاستعانة به في السياسات العمومية وفي الممارسة السياسية والحقوقية؟، ولماذا نراكم نفس الأخطاء ولدينا تقرير صرفت عليه الملايين يوجد طي النسيان؟.
وأبرز أنه كيف يمكن أن نذهب للمستقبل ونحن ننتج ممارسات تنبع وتقتات من الماضي؟، ومنها سنوات السجن التي وزعت على نشطاء حراك الريف؟ واختطاف الناس من المطاعم وأمام بيوتهم وكأن العدالة المغربية استنفذت إجراءات الضبط واستدعاء الأشخاص للمثول أمام القضاء ليقرر متابعتهم في حالة اعتقال أو سراح، عوض اللجوء إلى الاعتقال بطريقة استعراضية هوليودية.
وأضاف العلام في تصريح ل “لكم” أن تقرير الخمسينية أخذ وقتا كبيرا، وكان فيه نبش في الماضي وقراءة لحاضر المغرب ومستقبله في علاقة مع تاريخه، وأنجزه خبراء، بعكس تقرير لجنة النموذج التنموي الذي استند على اجتماعات ولقاءات وجلسات إنصات فقط.
وتابع ” توصيات هيئات الإنصاف والمصالح بدورها من المفروض أن تكون دستورا، فهل كان الغرض من الهيئة إصدار التوصيات فقط أو العمل بها؟”.
وأكمل بالقول “هيئة الإنصاف والمصالحة تحدثت عن جبر الضرر الجماعي، واليوم نرى نفس المناطق التي أوصت الهيئة برفع التهميش والحيف عنها وجبر ضررها، وهي الريف وزاكورة وجرادة لا زالت تعاني وتخرج للاحتجاج ويعتقل أبناءها ويحاكمون بعقود من السجن”.
وأضاف ” كل هذا لم يتحدث عنه تقرير لجنة النموذج التنموي ولم يعطنا حلول لكل هذه المشاكل، فصحيح أن المغاربة يحتاجون إلى اقتصاد جيد وإلى تنمية وحكامة، لكن كل هذا أمر ثاني أمام أولوية وملحاحية الجانب المعنوي المرتبط بالحريات المدنية والفردية والسياسية”.
وأشار العلام أن السياق الذي صدر فيه تقرير لجنة النموذج التنموي لا يساعد في تنبؤ أن ما سيتبعه سيكون إيجابيا، لأن عشرين سنة الماضية علمتنا أن نتشاءم، لأننا تفاءلنا في 1999 بالعهد الجديد وانقلب علينا بالسيء، وتفاءلنا بدستور 2011 وأحبطنا، موضحا أن التجارب الماضية تجعل من الصعب التفاؤل بهذا التقرير، خاصة أن ما نعيشه على مستوى اللحظة لا يدعو لذلك.
وزاد ” اليوم عندما نرى صحافيين في المعتقلات ومواطنين يعتقلون من المطاعم ومن بيوتهم، ويوضعون في السجن لمدة سنة أو أكثر بدون محاكمة، هل هذا ضمن توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة”.
وأكمل ” بينما كان يعرض بنموسى تقريره أمام رئيس الدولة، كان هناك قمع لوقفة ينظمها مجموعة من الناس للمطالبة بمحاكمة عدالة لصحافي مضرب عن الطعام، فأقصى ما يتمناه الناس اليوم ليس إطلاق السراح بل المحاكمة العادلة لسليمان الريسوني وعمر الراضي”، مضيفا “هل تدحرجنا إلى هذا التردي، لنقيم وقفات احتجاجية من أجل المطالبة بمحاكمة عادلة وليس طلب إطلاق السراح”.
وتابع ” لا يمكن أن نتفاءل بخصوص تقرير النمودج التنموي وهناك مواطن مغربي يموت داخل السجن وأقصى ما يريد هو محاكمة عادلة، لأن التقرير لو ورد في سياق آخر فيه الحريات والحقوق لاستبشرنا به خيرا”.
أحدث التعليقات