وتكتب الباحثة ليلى مهيدرات في تقديم الكتاب عما يزخر به من “فرص عملية ظهرت واحدة تلو الأخرى خلال رحلات غونتر باولي في المغرب”، حيث تتحول “نفايات التعدين إلى ورق وتغليف من نوع جديد، ويصبح الشوك مصدرا للطاقة والغذاء، وحتى وفرة الحفريات في بلادنا تصبح مصدر إلهام لنوع جديد من السياحة”.
ويذكر الكتاب أن التحدي الإضافي يتمثّل في “تجديد التربة والنظام البيئي في المغرب، وتطبيق نفس المنطق على بقية أفريقيا، واستعادة الخصوبة لإطعام الملايين من الناس بالفواكه والخضراوات الصحية”، قبل أن يبرز أن “المغرب هو السبيل إلى ذلك، ولديه التزام واضح بإطعام أفريقيا من أرض إفريقية”.
يقدم الكتاب أفكارا وتحليلات ومقترحات “قابلة للتنفيذ والاستمرار من وجهة نظر العلم والأعمال والبيئة وصُنع السياسات”، مع “عائدات مالية جذابة، وإثبات إمكانات خلق فرص عمل”.
وصدر هذا الكتاب باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، بتعاون مع المكتب الشريف للفوسفاط، ويبحث في “الفرص المتاحة للمغرب”، بعد تجوّل في البلاد خلال اثنتي عشرة زيارة ولقاء بصياديها ومزارعيها وصانعي سياساتها ومعلميها ومديريها التنفيذيين، مع التزام بـ”ضمان ترجمة أفكاره ورؤيته إلى أفعال من شأنها تحقيق التحوّل في البلاد”.
ولأن النجاح “يتطلب عملا تصميميا ذا استراتيجية طويلة المدى”، يقترح الكتاب في سبيل “نموذج المغرب” أن يكون هناك “مصدر رئيسي للعمل والثروة، لتحسين القدرة على الاستجابة للاحتياجات الأساسية للجميع، وإعادة الطبيعة إلى مسارها التطوري، مع إلهام الجيل القادم”.
ويرى المؤلف أن المغرب يحتاج مستقبلا أن يعتمد على أكثر من مجرّد السياحة وتعدين الفوسفاط والزراعة التقليدية من أجل التصدير إلى البلدان الأخرى، ثم يتحدث عن المكتب الشريف للفوسفاط (OCP) الذي يستحوذ على أكثر من نصف الاحتياطات العالمية من الفوسفاط، قائلا: “يضع هذا الكنزُ المغربَ كقائد في التحدّي المتمثّل في إطعام مليارَي نسمة من سكّان إفريقيا في عام 2050، فلا توجد زراعة حديثة بدون فوسفاط، ولا يمكن بدونه تغذية التربة والعالم”.
ويسجل المؤلّف أن الاستراتيجيات المبثوثة في الكتاب يتطلب تنفيذها “الصبر والوقت، بالإضافة إلى الموارد البشرية والمالية”، مقرا بأنه “سيواجه قدرا معيّنا من التشكيك والمعارضة، فلقد اعتدنا على ذلك وهذا الأمر لا يخيفنا”.
استراتيجيات عملية من أجل مغرب المستقبل يقترحها مؤلّف جديد بعنوان “نموذج المغرب تصميم النمو الاقتصادي لخدمة الصالح العام”، أعدّه غونتر باولي، الباحث البلجيكي الذي له “سجل حافل في تنفيذ الأفكار المبتكرة”، والذي سبق أن نشَر الكتاب الأكثر مبيعا المترجم إلى أزيد من خمسين لغة “الاقتصاد الأزرق”.
ويقر المؤلف بأن البعض قد يعتبر، بمنطق تقليدي، أن هذه المشاريع لا تتبع معتقدات الاقتصادات المحافظة، ويعلق قائلا إن “نماذج الأعمال المقترحة ليست مجرد مبادرات أعمال، إنما هي مشاريع تعمل على إحداث تحوُّل في الاقتصادات المحلية، وغيّرتها بالفعل وفقا لسماتها المحلية الفريدة؛ حيث لديها القدرة على تجديد النُّظُم البيئية المحلية، التي تختلف عن النّظم البيئية في أجزاء أخرى من العالم، وإيجاد وظائف تناسب السمات والظروف الخاصة بهذه النُّظُم”.
هذه المهمة، إضافة إلى تحسين السياسات البيئية وإنشاء جيل جديد من المزارعين، تتطلب جامعات وأبحاثا وعلماء ومهندسين وقيادة للأعمال، وهذا هو، يقول المؤلف، “الدور الطبيعي الذي يتعيّن على مجموعة OCP أن تؤدّيه في المغرب، في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى إعادة إطلاق اقتصادها”.
وتزيد الباحثة في الحفريات قائلة: “تبدأ رؤية غونتر باولي بافتراض حاسم: يمكننا دائما استخدام ما لدينا. التحدي الذي يواجهنا هو اجتناب تقليد نجاح الأجنبي. فرصتنا هي اكتشاف ما لدينا في بلدنا. كما قال المهدي المنجرة، أحد ألمع العقول المغربية الحديثة: (الأمي اليوم هو من لا يعرف كيفية فكّ ما تعلّمه لكي يتمكّن من إعادة تركيبه بطريقة أخرى)، وهو بالضبط ما علمني إياه غونتر باولي (…) وأن أنظر إلى المغرب بعيون مختلفة”.
ومن بين ما يقترحه الكتاب، تحويل مادة “الجبص الفوسفاطي” إلى أعشاب بحرية، وغبار التعدين إلى ورق حجري، والتربة المتداعية إلى أراض خصبة، والأعشاب إلى جبن ماعز.
وصمّمت هذه المشاريع، وفق تصدير الكتاب، “لتلائم بشكل خاص واقع المغرب، دون أن تكون مشتقّة من أي معيار مصمّم مسبقا ليتمّ تطبيقه على نطاق واسع مثل سلسلة مطاعم مرخّصة”، مستثمرة “ما هو متاح محليا بشكل فريد”.
بدوره، يذكر إدريس جميل أبركان، كاتب ومحاضر، أن مهمة البروفيسور باولي تتمثّل في زرع المثل والوسائل التقنية لعالم تكون فيه جميع النفايات موردا في عقول وقلوب الشباب.
ويضيف الكاتب في تقديمه: “بعد أن قاد نفس المهمّة وببراعة في الإمبراطورية الوسطى، الصين، التي ضمَّنَت قصصه في المناهج الإلزامية لمدارس الحضانة، بهدف متعمّد يتمثّل في تثقيف جيل في الفن الحيوي للتوفيق بين البيئة والاقتصاد والطبيعة والصناعة، كان من الطبيعي أن يكون عمله، حيث المصير الجغرافي يقوده إلى المملكة المغربية، كنقطة ارتباط لأوروبا بالقارّة التي تملك ماضي ومستقبل البشرية جمعاء”.
أحدث التعليقات