فرض الإسلام الزكاة على الموسرين وحدد الله مصارفها بنفسه في القرآن الكريم، وقرنها بالصلاة في الوجوب وجعلها أحد أركان الإسلام الخمسة. وسوﱣى أبو بكر الصديق في القتال بين تاركي الصلاة ومانعي الزكاة. وكانت الزكاة على عهد النبي (ص) تُجبى إلى بيت المال بواسطة السعاة إلى أن ترك عثمان بن عفان إلى من تجب عليهم الزكاة شأن دفعها لبيت المال تلقائيا مؤولا آية : “خذ من أموالهم صدقة” على أنها إنما تنص على حق الإمام في أخذ الزكاة ولا تلقي عليه مسؤولية وجوب أخذها وجمعها. فالناس يدفعونها نيابة عنه. والقصد من الآية هو استحصال الزكوات لا قيام السلطة العليا نفسها بجمعها.
الحلقة (18)
إن الاجتهاد المعاصر مطلوب منه النظر في مصارف الزكاة طبقا لما جرت عليه أعراف صرف الضرائب، والوصول إلى الحكم الشرعي بالجواب على التساؤلات التالية :
من بين القضايا التي استأثرت باهتمام الأستاذ الراحل عبد الهادي بوطالب، قضايا الإسلام المعاصر. اهتمام الفقيد بهذا الموضوع، يعود من جهة إلى كونه من خريجي جامعة القرويين ، عالما علامة، ومن جهة أخرى إلى كونه تحمل مسؤولية مدير عام للمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم في مرحلة احتل فيها النقاش حول ما سمي بالصحوة الإسلامية، بعد الثورة الإيرانية، صدارة الأحداث والاهتمامات السياسية والفكرية في ذلك الوقت، حيث يجدر القول، بأن نفس القضايا مازالت مطروحة إلى اليوم، والتي خاض فيها الأستاذ عبد الهادي بوطالب بالدراسة والتحليل عبر العديد من المقالات والمحاضرات التي نشر البعض منها في كتاب من جزأين، تحت عنوان، “قضايا الإسلام المعاصر”. وهي كتابات مازالت لها راهنيتها.
وقد ارتأينا بمناسبة شهر رمضان المبارك، أن ننشر على حلقات بعضا من هذه المقالات المنشورة في الكتاب المذكور أو غيره، تعميما للفائدة ومساهمة منا في نشر فكر عبد الهادي بوطالب الذي يعد من رواد الفكر الإسلامي التنويري.
الشؤون الاجتماعية : الزكاة والضرائب والرسوم
واليوم استحدثت الدول في العالم (ومنها دول الإسلام) نظام الضرائب المباشرة بالنسبة للأفراد والشركات، والرسوم غير المباشرة على الاستهلاك والمعاملات التجارية. وتصرف الدولة من ضرائبها على بعض مصارف الزكاة بتأويل مصرف في سبيل الله على معناه الواسع، فتبني المدارس والمطارات وتشيد الطرقات وتُقيم السدود وتُجيش الجيوش وتفتح السفارات في العالم.
هل يعفي استخلاص الضرائب الدولة من جمع الزكوات ؟ وهل يُترك للواجب عليهم أداء الزكاة صرفها تلقائيا على مصارفها جامعين بين أداء الزكوات وأداء الضرائب ؟ أو هل تأخذ الدولة الزكاة من أصحابها وتضيفها للضرائب وتدمجها في بيت المال ويعفى بذلك المسلم من أداء الزكاة لإدماجها في الضرائب ؟ وما هي مصارف الزكاة التي يمكن شرعا أن تكون من مصارف الضرائب والرسوم ؟ ومن يتكفل بالفقراء والمساكين والأقارب المحتاجين إذا ما جمعت الدولة الزكاة وصرفتها على شؤون الدولة ؟ وأسئلة أخرى لا بد أن يطرحها الاجتهاد بعد أن ينظر المختصون في شؤون الضرائب والزكاة في طريقة الملاءمة بين نظاميهما : الشرعي بالنسبة للزكاة، والمدني بالنسبة للضرائب.
ث-شؤون الأسرة :
يتهم خصوم الإسلام ديننا الحنيف بأنه دين متخلف في مجال شؤون الأسرة، وخاصة في معاملته للمرأة وحرمانها من الحقوق. ويمثلون لذلك بإعطائه للرجل حق القوامة على المرأة، وجواز تعدد الزوجات، وضرب الزوج زوجته، وقبول الشهادة من رجل في مقابل امرأتين. والمطلوب من الاجتهاد توضيح دور المرأة المُذكرة المشار إليها في القرآن، والنظر فيما إذا كان لا بد من إضافتها بالنسبة لجميع النساء، أو إن وجود المذكرة إنما هو بالنسبة لنوع غير قادر ولا كفء منهن يُخشى بسببه أن تضل إحداهما فيُحتاج إلى تذكيرها من الأخرى.
أحدث التعليقات