من بين القضايا التي استأثرت باهتمام الأستاذ الراحل عبد الهادي بوطالب، قضايا الإسلام المعاصر. اهتمام الفقيد بهذا الموضوع، يعود من جهة إلى كونه من خريجي جامعة القرويين ، عالما علامة، ومن جهة أخرى إلى كونه تحمل مسؤولية مدير عام للمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم في مرحلة احتل فيها النقاش حول ما سمي بالصحوة الإسلامية، بعد الثورة الإيرانية، صدارة الأحداث والاهتمامات السياسية والفكرية في ذلك الوقت، حيث يجدر القول، بأن نفس القضايا مازالت مطروحة إلى اليوم، والتي خاض فيها الأستاذ عبد الهادي بوطالب بالدراسة والتحليل عبر العديد من المقالات والمحاضرات التي نشر البعض منها في كتاب من جزأين، تحت عنوان، “قضايا الإسلام المعاصر”. وهي كتابات مازالت لها راهنيتها.
وإذا كان المسلمون في عصر ازدهاد الاجتهاد قد اعترضتهم في زحفهم عبر أمبراطوريتين عظميين مستجدات اقتحموها، وأوجدوا لها حلولها وأحكامها الشرعية، فإن عالم الإسلام يجد نفسه في المجتمع العالمي الراهن في نفس موقع السلف أمام مستجدات وتساؤلات مطروحة على الفكر للبحث عن أجوبتها، وأمام قيم جديدة فيها السليم الصالح الذي يفرض على الناس الأخذ به. وفي مواجهة هذه القيم يتجزأ الفكر الإسلامي في تصنيفها إلى ما لا يتعارض مع قيم الإسلام فيتبناه للحاجة إليه، وإلى صنف آخر يحار في شأن مطابقته أو مخالفته للدين، فيقف منه موقف الحذر والتهيب.
الحاجة إلى إسلام معاصر
الحلقة (16)
وشبابنا اليوم وقد انغمس في غمار الحضارة المادية من أخمص قدميه إلى قمة رأسه، يتوجه إليه بعض دعاة الإسلام بخطاب إسلامي لا يستسغيه الشباب ولا يُقنعهم ولا يطمئون إليه، لأن فيه حرجا مزعجا، أو لأنه يتجافى مع الفكر السليم، أو لأن بعض الدعاة يؤولون فيه تعاليم الدين على حرْف وتطرف يمضيان على غير هدى، فيبدو تأويلهم في صورة متقوقعة في ماض جامد في مقابلة منظومات معاصرة كلها حركة وتجديد.
وقد ارتأينا بمناسبة شهر رمضان المبارك، أن ننشر على حلقات بعضا من هذه المقالات المنشورة في الكتاب المذكور أو غيره، تعميما للفائدة ومساهمة منا في نشر فكر عبد الهادي بوطالب الذي يعد من رواد الفكر الإسلامي التنويري.
انتكست الحضارة الإسلامية بانتكاسة مؤسسة الاجتهاد وجمدت بجمود الفكر، وتخلت عن مكانتها للحضارة الغربية التي استعمل الفكر الغربي لصنعها تقنيات الاجتهاد الإسلامي من استنباط واختراع وتجديد، مما جعلها تمضي في التقدم مخلفة فكر المسلمين وراءها، ومما جعل مسافة الخلف بين الحضارتين تتباعد، حيث سادت في العالم الإسلامي ثقافة القشور، وسادت الحضارةَ الغربيةَ ثقافةُ اللباب الجوهر والعمق.
واليوم والعالم –كما قيل عنه- أصبح قرية كونية، فإن المستجدات تظهر كل يوم وتطرح على المسلمين تساؤلاتها، فيكون جواب ثلة من شبابنا الذين شبوا على ثقافة الغرب هو الانغلاق على حضارة الغرب، والارتماء الكامل في أحضان ثقافته، ونبذهم لنداء الإسلام الذي لا يعطيهم البديل، بينما طائفة أخرى من شبابنا تنتابها الحيرة، ويخترقها الشك، وتظل تتساءل دون أن تهتدي إلى ما تريد.
أحدث التعليقات