الغزو الفكري يتبادر إلى ذهن أيّ شخص فور سماعه مصطلح الغزو أنه غزو عسكري، إلا أنّ هناك مصطلحات حديثة ظهرت تشير إلى أنواع أخرى من الغزو. الغزو الفكري يُشير إلى أنّه تطلّع أمّة ما إلى محاولة بسط نفوذها وسيطرتها على أمّة أخرى والاستيلاء عليها للتحكم بها وتوجيهها نحو طريق معين. يُعّد الغزو الفكري أكثر خطورةً وأعمق تأثيراً من الغزو العسكري وذلك نظراً لتركيز الغزو الفكري على استهداف سلوك وعقيدة الفرد وأفكاره وأخلاقه، وبالتالي ضياع أمته بأسرها نتيجة انتقال عدوى الغزو الفكري بطريقةٍ واسعة وذلك لاعتبارها ذات تأثير قوي جداً. يبدأ الغزو الفكري بالتفشّي بجسم الأمة المستهدفة شيئاً فشيئاً دون الشعور بذلك، فيبدأ بتحقيق مبتغاه وأهدافه، فيقع الأفراد ضحية هذا الغزو وينقادون له ولأفكاره لتحقيق أهدافه المنشودة وبذلك تصبح الأمة مسيطر عليها فكرياً، ومن الجدير ذكره أنّ الغزو الفكري يُدمّر البنية التحتية لسلوكيات الأفراد في أمة ما، ويُشار إلى أنّ الغزو الفكري يستهدف غالباً الأمم المسلمة سعياً لتحقيق انسلاخها عن عقيدتها وطريق الحقّ ودثر الهوية الإسلامية وتشويهها. أنواع الغزو الفكري الغزو الصليبي: وهو قيام الصليبيين باتباع أساليب معيّنة من خلال الدراسات والاجتماعات الخاصة التي تؤثّر بشكل مباشر على عقل الشباب المسلم والسيطرة عليهم وإفساد الأفكار الراسخة واستبدالها بأخرى زائفة. الغزو الصهيوني: يسعى بنو صهيون إلى القضاء على المسلمين ونشر الزعزعة في نفوسهم وإثارة الفتن بين المجتمعات المسلمة، فيُركّزون بالدرجة الأولى على الأخلاق والعقيدة. الغزو الشيوعي الإلحادي: تمكّن هذا النوع من الغزو الفكري من السيطرة على ذوي النفوس الضعيفة وأصحاب الإيمان الضعيف أيضاً وذلك نتيجة سوء التربية والجهل المتفشي. يلجأ الغزاة إلى التعمّق في أمة ما يستهدفونها، ودراسة تاريخهم وحاضرهم واكتشاف نقاط الضعف واستغلالها ومواطن القوة والعمل على إضعافها وزعزعتها بالاعتماد على وسائل غير مباشرة في ذلك، بتلبية شهوات الإنسان، واستباحة كل ما هو ممنوع ومحرّم، وإقناعه بالتدريج بالتخلّي عن أخلاقه وعاداته وتقاليده تحت بند الحضارة والحرية الشخصية. أهداف الغزو الفكري نشر الحقد والكراهية بين الشعوب ضدّ المسلمين، وذلك من خلال إلصاق تهم التطرّف والتشدّد والإرهاب. اتباع أساليب غير مباشرة في تحييد مشاعر المسلمين وجذبهم، ويُهاجمون الإسلام باسم السلوك الديني أو الوعي الديني. تحريف تفسير دلالات الإسلام وانتهاج أسلوب المغالطة المنهجية. غرس بذور أفكار مستجدّة في عقول الشعوب وإلصاقها بالإسلام. تمجيد اللغات اللاتينية وإضعاف اللغة العربية. إشعار العرب والمسلمين خاصّةً بالنقص والتخلّف. إجبار غير مباشر لدور التعليم على وضع كتب المستشرقين بيدي الطلبة. تهميش جهود العلماء المسلمين العرب. إيجاد مذاهب فلسفيّة دون الاعتماد على أساليب علمية. خلق موسوعات وإلصاقها بالتاريخ الإسلامي لتشكيك المسلم بتاريخه المعاصر. ضم الأجيال القادمة تحت جناح الاستشراق. إيلاء الأهمية الكبرى للشكليّات والقشور، وإغفال الأمم عما يهمّها وينفعها. الرغبة بإرجاع الشعوب المسلمة إلى زمن الجاهلية. أسباب الغزو الفكري الحقد والكراهية للدين الإسلامي. نزع الدين الإسلامي وزراعة أديان أخرى. دثر التاريخ الإسلامي المشرف وتشويهه. عدم مواكبة الشعوب الإسلامية للحضارة بسبب ما تعرّضت له من هجمات فكرية متتالية ألحقت الضعف والوهن بفكرها وساهمت بتفكك مجتمعاتها، والانشغال بسفاسف الأمور. السعي لطمس الهوية الإسلامية. أساليب الغزو الفكري تتّبع الأمم التي تستهدف شعوباً معيّنةً لغزوها فكرياً جملة من الأساليب والطرق حتى تتمكن من تحقيق هدفها، وتكون على النحو التالي: حملات التشويه: تستهدف حملات التشوية بالدرجة الأولى محاولة إقناع المسلم بزيف تاريخ الدين الإسلامي وتحريفه، بالإضافة إلى السعي الدؤوب وراء تحريف القرآن الكريم وتشويهه ومحاولة تفسير آياته بصورة تتماشى مع أهوائهم، وكذلك الأمر فيما يتعلّق بالسيرة والسنة النبوية الشريفة، وركّزت هذه الأمم على استهداف نظام الحياة الإسلاميّة من خلال انتقادها نقداً لاذعاً، وذلك بـ: توجيه التهم بالرجعية والتخلف للنظم الإسلامية وقوانينها. إالصاق تهمة القصور بها. اتهام نظام الحياة الإسلامية بالهمجية والوحشية. اتهام الاسلام بعدم الاهتمام بغير المسلمين. بث النزعات الجاهلية وإحياؤها: يظهر هذا الأسلوب جلياً في إحياء نزعات بالية كالدعوة إلى نزعات قومية، وطائفية، وفرعونية، وغيرها، حيث إنّ الطائفية والنزعات العصبية والقبلية وغيرها بمختلف أنواعها لا تتماشى مع الدين الإسلامي ولا تمت له بصلة. الدعوة إلى الإباحية: تركز الأمم الغازية على الإباحية وتحليلها والتشجيع على انتشارها وتفشيها في جسد الأمة الإسلامية الواحدة حتى تخرج الشعوب الإسلاميّة عن فطرتها السليمة وتنخرط بالثقافات الغربية. إضعاف دور الدعاة والفقهاء في التوجيه والقيادة. السيطرة على دور التعليم والثقافة: يُعتبر دور التعليم كالمدارس والجامعات العنصر الأوّل والأهم في نشر الأفكار، لذلك يُركّز الغزو الفكري على اقتحام المدارس والجامعات والمعاهد؛ حيث تعتبر أكثر مصدراً يقتبس منه الفرد أفكاره ومعتقداته. الإرساليات التبشيرية والخدمات الاجتماعية: تدخل الأمم الغازية في صفوف المسلمين ومجتمعاتهم من باب المساعدة والمعونة والخدمات الاجتماعية لإقناعهم بأنّهم يمدّون يد العون لهم دون مقابل انطلاقاً من أوامر دينهم، فتبدأ هنا المقارنة بين ديانة هذه الإرساليات والإسلام وتفضيلها عليه، وتركّز الإرساليّات التبشيريّة على وكالات الغوث، ودور الأيتام، والدول المنكوبة، والجمعيات الخيرية، والمخيمات، وغيرها، وتعمل على: منح الأفراد بعض الامتيازات الأجنبية. توفير الحصانة الدبلوماسية للمستضعفين واستغلالها. التركيز على الأقليات وزرع الفتن وإثارة النعرات فيما بينهم. استغلال الوضع الراهن في المناطق وإحكام التعاون بين الوضع السياسي والإرساليّات التبشيرية. تنظيم الرحلات والمخيمات الكشفية. تقديم التسهيلات الاقتصادية والمساعدات التي يُقدّم مقابلها الفرد تنازلات. فتح سبل الحوار دون قيود أو حدود. استهداف الغريزة الجنسيّة واستغلالها في استقطاب الأفراد. عقد المحاضرات والندوات في الجامعات والجمعيات. كيفية التصدي للغزو الفكري توعية الأمة حول مخاطر الغزو الفكري. اتباع الأساليب ذاتها التي تتبعها الأمم الغازية لأفكار أمة ما في ردّ الشبهات وإبطال ما جاءت به شرط ألّا تخالف الشريعة الإسلامية. صقل شخصية الأمة وتربيتها وصهرها في بوتقة الدين. ردّ الشبهات والطعن بها حول ما يقنع به الغزاة فكرياً الأمم. تنشئة المسلم تنشئة إسلاميّةً صالحة قائمةً على أحكام الدين الإسلامي وآدابه. تعزيز دور المناهج على تحفيز ودعم الأمن الفكري لدى الأفراد، وذلك من خلال تنشئة الأطفال والشباب على الوسطية والتوازن، وعدم اتباع الشهوات والأهواء. توطيد دور المعلم والمدرسة في تربية الطفل وتعزيز الأفكار المرفوضة إسلامياً ومجتمعياً. معالجة نقاط الضعف التي يستغلها الغزاة وتقويمها بدلاً من تركها ثغرةً للاستهداف. الإكثار من برامج وخطط التوعية حول السلوك الإسلامي السليم. التقرّب إلى الله سبحانه وتعالى بالأعمال الصالحة واتّباع أوامره واجتناب نواهيه. آثار الغزو الفكري ظهور العلمانية التي تعتمد أساساً على فصل الدين عن السياسة والحكم. زعزعة التماسك بين المسلمين وبثّ فكرة العصبيات الجاهلية. تجزئة الوطن الإسلامي وإثارة النعرات والخلافات بين دول العالم الإسلامي. رفع شعارات تحت اسم الحضارة والتقدّم التي تدعو إلى هجر الأخلاق والابتعاد عن الدين واعتناق أفكار ومبادئ منافية للإسلام. التركيز الكلي على تحررّ المرأة المسلمة وظهور الحركة النسائية؛ حيث تتهم هذه الأمم بأن الدين الإسلام مضطهد للمرأة. ظهور إعلام فاقد للهوية ينصاع خلف الثقافات الغربية من خلال بث البرامج الهابطة التي تهوي بالشباب المسلم إلى الأسفل. انقياد الأفراد وراء شهواتهم وانحرافهم عن الطريق المستقيم. الانحلال الأخلاقي تحت بند التحضر والمدنية. استباحة ما هو محرم كالخمر والزنا والقمار. التقاعس عن أداء العبادات. انتشار الرذيلة.
أحدث التعليقات