للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها كان لزاما علينا أن نعرف من هو محمد خيي، وكيف انطلق في عالم التلفزيون وقبله عالمي السينما والمسرح، وكيف تطور آداء هذا الفنان عبر تجربته الممتدة لأزيد من ثلاثة عقود؟
في حديث مع مصطفى العلواني، الناقد السينمائي البيضاوي، حكى لـ”الأول” عن تجربة الفنان محمد خيي ابن مدينة قلعة السراغنة، عبر ثلاثة مراحل، أولها البدايات في مسرح الهواة وكيف ثابر واستطاع أن يبرز اسمه وسط المسرح الاحترافي، كما يتحدث لنا عن مروره من المسرح إلى السينما وكيف استطاع تجنب السقوط في مخاطر هذا الانتقال، كما سيتطرق من خلاله حديثه لأهم الأعمال التي بصمت المسار الفني لمحمد خيي.
السي محمد خيي كما عرفته إنسانا وفنانا ناقد ومنتقد شرس لأدائه ولأعماله، لا يهدأ له بال ولا يعرف الغرور طريقا إلى نفسه، عندما يكون محمد خيي بصدد الإعداد والتركيز على تنفيذه، يعيش كما أسر لي أكثر من مرة، دهشة ووجل البدايات، لأنه ما فتئ يعتبر نفسه في بداية الطريق ويتصور دائما ان الإبداع بحر لا قرار له وأن كل عمل جديد هو فرصة لتعلم شيئ جديد”.
أما عبد الكريم واكريم، إبن مدينة طنجة، الناقد سينمائي ورئيس تحرير مجلة “سينيفيليا” المختصة في الفن السابع ومجلة طنجة الأدبية، فيرى في محمد خيي “قايد” للتمثيل في المغرب، ويتميز بأسلوب “حربائي” فهو يتلون من دور إلى آخر، إذ لا تكاد تميز أو تجد مشتركا أو نوعا من التنميط والتكرار في أدواره.
النقطة التي وددت التركيز عليها هي العبور الناجح للسي محمد خيي من فن التمثيل المسرحي الى فن التمثيل السينمائي ، وهو انتقال كما يتفق المختصين محفوف بالمخاطر، لم ينجح فيه ممثلون وممثلات كانوا يعتبرون أعلاما في التمثيل المسرحي.
ومن باب التاريخ والمناسبة شرط. اذكر في هذا الباب ممثلين مغربيين كبيرين نجحا في هذا الانتقال وأسسا للتجربة المغربية في ميدان التشخيص السينمائي واقصد بالذكر الفقيدين محمد العربي الدغمي و محمد الحبشي ، إذن السي محمد خيي ورفيق دربه المرحوم السي محمد البسطاوي أكملا ما بدآه هذين الرائدين وارتقوا به إلى الأجود.
وهكذا ارتبط اسم السي محمد خيي مند بداية اشتغاله بالسينما بفيلمين اثيرين يعتبرهما المهتمون ، الفيلمين المغربيين الذين صالحا الجمهور المغربي مع السينما المغربية وهما “حب في الدار البيضاء” للمخرج عبد القادر لقطع وفيلم “البحث عن زوج امرأتي” للمخرج محمد عبد الرحمان التازي ، ويكفي أن نشير أنه مر اليوم عقد من الزمن على حيازة جائزة احسن تمثيل ذكوري في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة سنة عن فيلم.
“يطول الحديث عن تجربة الفنان محمد خيي الممثل وبالأحرى المشخص المسرحي والسينمائي القدير ، وفي هذه العجالة أود ان اركز على نقطة أساسية في مسار السي محمد خيي أظن ان استيعابها مفيد خصوصا للناشئة من الشباب المولعين بفن التمثيل والتشخيص ، ظهرت ميول السي محمد للفن المسرحي مبكرا منذ فترة دراسته بالثانوية، وما لبث ان انخرط على غرار اقرانه بحركة مسرح الهواة ، لكن هوس محمد خيي العميق بالتمثيل وطموحه لصقل موهبته بالتكوين جعله يلتحق بورشة المرحوم الأستاذ عباس إبراهيم التابعة للمسرح الوطني محمد الخامس وهي ورشة كما لا يخفى طليعية تخرجت منها اسماء هي اليوم ضمن صفوة الممثلين، ومع تاسيس فرقة مسرح اليوم ثم مسرح الشمس تكرس اسم محمد خيي ممثلا نجما من فرسان الركح المغربي.
وسط هذا المشهد الواسع والمختلفة ملالمحه، يجد المتلقي المغربي ضالته في ارتباطه بالشخوص ومدى تأثيرهم في قصصهم، فالمشاهد المغربي لا تؤثر فيه الشخصيات الضعيفة أو المتخاذلة والخنوعة، فهو يعشق البطل القوي المثابر والمؤثر ولو كان ذو خصال شريرة، فالواقعية تجد طريقا إلى عقله وقلبه أكثر، فهو ينبذ الابتذال ويتأثر بمن يلامس مغربيته.
وقال عبد الكريم واكريم عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، “لانَملِكُ أن نتحدث عن المُشخص محمد خيي دون أن نستحضر قدراته التمثيلية التي جعلته يَتصدَّر المشهدين السينمائي والتلفزي في المغرب، إذ لن يختلف اثنان على كون خيي من أهم الوجوه الرجالية في التشخيص بالمغرب”.
وأضاف واكريم “لم تأت المرتبة التي تبوأها محمد خيي جزافا ولا بمحض الصدفة بل إن الرجل قد نحت له مسارا فنيا في الصخر، انطلاقا من المسرح خلال عقد الثمانينات حيث مَرَّ من تجربة جِدِّ مهمة والمتمثلة في ذلك المُرورِ بفرقة “الشمس” التي جعلته يلتقي بصديق عمره محمد بسطاوي ويشتغل مع واحدة من ركائز التمثيل النسوي في المغرب ثريا جبران”.
الحديث عن الإنتاجات التلفزية المرتبطة بشهر رمضان، غالبا ما يكون مرتبطا بالمسلسلات الكوميدية، فيما يعرف بكوميديا الموقف و السيت كوم، التي تغزو في هذا الشهر الشاشة المغربية، ما يجعلها حديث المشاهد المغربي.
وعلى الرغم من عدم استفادة محمد خيي من أي إعادة تكوين بتخصص التشخيص السينمائي، فان “سينيفيليته” كواحد من رواد الأندية السينمائية، جعله بحدسه السليم يدرك الفروق الأساسية بين التشخيص السينمائي والتشخيص المسرحي والتي هي فروق دقيقة وحاسمة في النجاح في هذا الانتقال الصعب من المسرح إلى السينما.
ويرى واكريم أنه وبعد أن صقله المسرح “انطلق محمد خيي في سماء النجومية ليكون العنصر المشترك في العديد من أهم الأفلام المغربية إضافة لأعمال تلفزيونية دخل من خلالها إلى بيوت المغاربة وإلى قلوبهم معا. هو الذي يَحلُو لأصدقائه أن ينادونه ب”القايد” تلك الشخصية التي تقمصها بعمق وحرفية في إحدى المسلسلات التلفزيونية المغربية الأكثر مشاهدة”.
ليشدد “نعم هو “قائد” التشخيص في المغرب بدون منازع ومثال يُحتذى للجيل الصاعد من الفنانين الذين مازالوا في بدايات الطريق”.
وبالنسبة للناقد السينمائي، يتميز أسلوب محمد خيي في الأداء التمثيلي بكونه “يَتَلوَّنُ كالحرباء من دور لآخر، إذ لاتكاد تُميِّز أو تجد مشتركا أو نوعا من التنميط والتكرار في أدواره، فليس هنالك مثلا وجه للتشابه نهائيا بين دورين كذلك الذي تقمصه في فيلم “سميرة في الضيعة” والذي أدَّى فيه شخصية عاجز جنسي بتفوق وامتياز وبين دوره مثلا في فيلم “أندرومان” الذي أدَّى فيه دور الأب القاسي على ابنته والتي يريد أن يصنع منها ذكرا ورجلا رغما عن أنوثتها الضاجة. هو كذلك خيي الذي يُعطي دائما لكل دور قيمته مهما كان حجمه”.
وأكد واكريم على حسن خلق الفنان محمد خيي حينما قال “يشهد كل من تعامل مع محمد خيي أنه طيب المعشر وحَسَنُ الخلق وتلتقي فيه الحُسنَيَان، موهبة الفنان وإنسانية الإنسان المتواضع وغير المُدَّعِي، رغم الشهرة والحب اللذان يتمتع بهما في الشارع المغربي”.
غير أن هذه السنة، ومع دخول منافس جديد لقنوات القطب العمومي، متمثلا في قناة “mbc5”، ربما تغير المشهد قليلا، خصوصا بعد المنافسة القوية التي خلقتها القناة بعدد من الإنتاجات المغربية، لقي بعضها استحسانا كبيرا، وصارت حديث النقاد ومتتبعي الدراما المغربية وعشاقها.
“سميرة في الضيعة” للمخرج لطيف لحلو وهو دور مركب يعتمد على الحضور الجسدي والاستبطان النفسي ، ركزت على السينما لأن الفنان محمد خيي سواء على مستوى الفن المسرحي أو الدراما التلفزيونية لم يعد يحتاج إلى تعريف، خاصة وأننا نتابع النجاح الباهر مسلسل “سلمات أبو البنات” الذي يدين بنجاحه لهذا الفنان الكبير، هذا الفنان السخي، وأسطر على خصلة السخاء، لأن السي محمد عندما يؤمن بعمل فني يعطي أحسن ما عنده ديدنه الأول والأخير، نجاح العمل أولا وأخيرا.
ولعل الإعجاب الذي لاقاه مسلسل “سلمات أبو البنات”، – رغم الهفوات التقنية -، والاستحسان الذي شهده آداء الفنان المغربي محمد خيي وعبرت عليه فئة عريضة من جمهور الدراما المغربية أكبر دليل، فكيف استطاع خيي أن يكسر القاعدة وكيف تمكن من انتزاع استحسان المغاربة بآدائه؟
ولعل خير ما نختم به هو ما شهد به الناقدين السينمائيين الذين أكدا على تلك الروح المتجددة التي يتميز بها الفنان محمد خيي، وقوة حضوره في المشهد الفني المغربي، وكيف استطاع أن يظل محافظا على مستواه التشخيصي ك”قايد” للتمثيل المغربي.
أحدث التعليقات