مطلوب من مجمع الفقه الإسلامي أن تكون له هو أيضا مساهمة في هذا الكتاب أو الكتب، فالمجمع يضم علماء من المذاهب الإسلامية، وتزكيته تجعل من كتب التقريب مرجعا فقهيا معتمدا.
الحلقة (10)
وأقترح أن تنشر حصيلة الجردين في كتاب أو أكثر. وتوزع هذه الكتب مجانا في العالم الإسلامي، ويكون لها أكثر من مؤلف، كل واحد منهم ينتمي إلى مذهب. ويُختار المشاركون في تأليف هذه الكتب من بين القمم العلمية في كل مذهب. ويحتوي كل كتاب على مقدمة ممضاة من المؤلفين تبين أن ما يجمع بين المسلمين أكثر مما يفرق، وأن اختلاف بعض العلماء على الفروع القابلة للاتفاق عليها معطى إيجابي كفيل بأن يتحقق به ما جاء في الحديث عن تشبيه المسلمين بالجسد الواحد في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم. ويمكن أن تشارك كذلك في سلسلة هذا الكتاب أقلام متخصصين من غير علماء الدين، يكون دورهم تقديم تاريخ اختلاف المذاهب بقراءة جديدة من منطلق أن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، ولا يعوق دون الوصول في شأنه إلى اتفاق. كما ينبغي أن يستهدف هؤلاء الكتاب إبراز ما يحدثه الاختلاف من آثار إيجابية على تطور الفكر الديني وعلى انتشار الإسلام عبر العالم.
أما عن منهجية الكتاب فالأولى أن يعتمد فقه التيسير في الأحكام ويرجحه على فقه التعسير حيثما وجد هذا النوع الميسر من الأحكام، وفي أي مذهب كان حتى يبقى الإسلام دين السماحة واليسر ويقبل عليه الناس لما يجدونه فيه من مسايرة الفطرة : “وما جعل عليكم في الدين من حرج” (سورة الحج، الآية 78). “لا يكلف الله نفسا إلا وسعها” (سورة البقرة، الآية 286) “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر” (سورة البقرة، الآية 185). وجاء في السنة قول الرسول عليه السلام : “إن هذا الدين يُسر. ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسدﱣدوا وقاربوا وأبشروا”، وعن عائشة رضي الله عنها : ” ما خُير رسول الله بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما”.
من أجل ذلك لا بد من العمل على احتواء الأزمات المذهبية حتى لا تنفجر أمام أعيننا فجأة. ويُشرع في مسلسل الاحتواء بالقيام بحملة توعية شاملة تضع اختلاف المذاهب في مساره الصحيح، فيُقدﱣم للمجتمعات الإسلامية في شكل تنوع وإثراء لا في شكل تضاد وفرقة. وتقع مسؤولية هذه التوعية في العالم الإسلامي على كاهل الحكومات والبرلمانات والمجالس ومكوﱢنات المجتمع المدني، من أحزاب وهيآت سياسية وجمعيات حكومية وجمعيات دينية ونواد ثقافية، وعلى الأكاديميات العلمية ومنابر الجامعات والكليات، ولا سيما كليات الشريعة، ومحاضرات تاريخ الإسلام، وتاريخ التشريع الإسلامي، ودروس مادة الاختلاف بين المذاهب. وتُباشَر مسؤولية التوعية هذه كذلك بالأخص من وزارات التربية والتعليم، والثقافة، والإرشاد، والإعلام، والأوقاف والشؤون الإسلامية، وجميع المرافق الحكومية المختصة في الشؤون الإسلامية عبر العالم الإسلامي.
من بين القضايا التي استأثرت باهتمام الأستاذ الراحل عبد الهادي بوطالب، قضايا الإسلام المعاصر. اهتمام الفقيد بهذا الموضوع، يعود من جهة إلى كونه من خريجي جامعة القرويين ، عالما علامة، ومن جهة أخرى إلى كونه تحمل مسؤولية مدير عام للمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم في مرحلة احتل فيها النقاش حول ما سمي بالصحوة الإسلامية، بعد الثورة الإيرانية، صدارة الأحداث والاهتمامات السياسية والفكرية في ذلك الوقت، حيث يجدر القول، بأن نفس القضايا مازالت مطروحة إلى اليوم، والتي خاض فيها الأستاذ عبد الهادي بوطالب بالدراسة والتحليل عبر العديد من المقالات والمحاضرات التي نشر البعض منها في كتاب من جزأين، تحت عنوان، “قضايا الإسلام المعاصر”. وهي كتابات مازالت لها راهنيتها.
6-كتب التقريب :
7-الإعلام في خدمة التقريب :
إن ما أصبحت عليه في عصرنا مصادر الإعلام من تنوع وامتداد واسع عبر الأرض والفضاء، وما حققه الإعلام من طفرات مذهلة بانتقاله من الإعلام المكتوب المقروء إلى السمعي البصري ثم إلى بثه عبر القنوات الفضائية، كل ذلك جعل من المنشورات والكتب ظواهر متجاوزة، خاصة بعد أن أصبحت شبكة الأنتيرنيت تغزو الإعلام بقوة لتصبح مصدره الأول بسهولة ويسر، مما يعني أن حضارة الورق القائمة على صناعة الكتابة والتدوين التقليدي تحتضر وتمضي في العهد الإليكتروني إلى نهايتها.
وحتى نكون أبناء عصرنا وجديرين بالانتساب إليه علينا أن نستغل هذا الفيض الدافق على البشرية التي جاءت به علوم الإعلام في عالمنا، فنوظف الإعلام بجميع أنواعه في خدمة ديننا شرحا وتفسيرا ودعوة وهديا ودفاعا عنه ضد ما ينسب إليه من ترهات، وما يسام به من نقائص، حتى نُظهره على حقيقته إسلاما سمحا متسامحا.
وقضية التقريب بين المذاهب من بين قضايا الإسلام الأساسية الحيوية، فكلما غزونا بها مصادر الإعلام وجعلنا منها منابر للتوعية نجحنا في مقصدنا وهدفنا من التقريب، سواء لدى المسلمين أو خصومهم أو لدى شرائح الرأي العام الدولي.
وتنطلق حملة التوعية من مضامين الفكر الديني المنفتح المؤمن بالتقريب، ويمثله العلماء المؤهلون لذلك. وينصب دورهم في المرحلة الأولى على جرد لما بين المذاهب من وفاق في المسائل الاجتهادية، ويُعتبر الاتفاق عليه شريعة الإسلام الواحد الذي تُجْمع المذاهب على الإيمان به والعمل بأحكامه، وعلى جرد آخر لمجالات الاختلاف، على أن يركز العلماء على أن الاختلاف بين المذاهب شأن هين ويظل موضوع حوار بين الأطراف المعنية، وأنه قابل للوصول به إلى اتفاق.
احتواء الأزمات المذهبية
وقد ارتأينا بمناسبة شهر رمضان المبارك، أن ننشر على حلقات بعضا من هذه المقالات المنشورة في الكتاب المذكور أو غيره، تعميما للفائدة ومساهمة منا في نشر فكر عبد الهادي بوطالب الذي يعد من رواد الفكر الإسلامي التنويري.
8-صحافة التقريب :
أحدث التعليقات