د. عـصـام مـحـمد عـبـيـد
مدرس المكتبات والمعلومات
كلية الآداب – جامعة أسيوط
تعتبر المكتبات كأي مؤسسة من المؤسسات الأخرى لها دورها وتتأثر وتتفاعل بشكل طبيعي مع تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات وكان لابد لهذه المكتبات أن تتطلع إلى هذه التقنية الحديثة وهذا الدور بسبب أننا نعيش في عصر المعلومات ونعاصر شبكة الشبكات الانترنت التي بزغ فجرها في القرن العشرين… هذه “الانترنت التي داهمت مجتمع المكتبات الدولي بقوة والتي تحدث عنها أمناء المكتبات للوصول إلى المعلومات عن طريق الحاسب، أو ما يعرف “بالمكتبات الالكترونية ، وتعيش المكتبات في الآونة الأخيرة حقا مشكلة ومنحدر خطير عندما يقول مسئولو التعليم العالي في العالم المتقدم أن الانترنت قد ألغى المكتبات ، وفى محاولة لحفظ الثقافة والتاريخ العلمي لمؤسسات المعلومات يظهر عشرة أسباب عن “لماذا الانترنت لا يمثل بديل عم المكتبة” وأول سبب منهم أن ليس كل شئ موجود على الانترنت فعلى سبيل المثال 8% فقط من نسبة الدوريات هي التي توجد على الانترنت ، كما أن الانترنت مثل مكتبة كبيرة غير منظمة سواء استخدمت أي من محركات البحث أو محركات المحركات ، ولا توجد رقابة على الانترنت فأي أحمق يستطيع أن يضع ما يريده على الانترنت ، كما أن المواقع ذات النصوص الكاملة على الرغم من ضخامتها إلا أنها ليست دائما كاملة ، وعند إطلاع أي شخص على كتاب الكتروني من خلال شبكة الويب فأنت لا تستطيع أخذه في أي مكان كالكتاب الورقى ، بالإضافة إلى لابد من توافر أجهزة القراءة الخاصة بالكتب الالكترونية التي تسبب الصداع وإجهاد البصر كما أن تكلفتها عالية جدا ، وعندما تم بناء أحدث جامعة في كاليفورنيا بدون مكتبة فلم تستطع الاستمرار لأنها لم تجد كل ما تحتاجه على شبكة الانترنت ، وإن تكلفة امتلاك كل شئ في صورة مرقمنة يحتاج إلى تكلفة عالية بشكل غير معقول لا يمكن تصوره ، كما أن لنا ألف سنة نقرأ حتى أصبحت القراءة تجرى في دمنا والبشر سوف يرغبون دائما التحرك مع كتاب جيد وليس حاسب محمول وأخيرا ننوه أن شبكة الويب عظيمة ولكنها بديل عاجز للوفاء بجميع الخدمات المكتبية التي توفرها المكتبات التقليدية ، وأنه من الجنون أن نجعلها أكثر من مجرد أداة تساعد في تطويع استخدام التكنولوجيا بأيسر وأسرع وقت ممكن.
تمهيد :-
أدلت القراءات بأن كتاب الكاتب الانجليزى ماثيو آرنولد Matthew Arnold “الثقافة” قد أمدنا بنتائج اختبارات القراءة التى تم تسجيلها بين مدارس الأطفال فى عموم البلاد ، ولم يكن من المدهش إيجاد كلاً من أمتنا وثقافتنا فى مشكلة ، علاوة على ذلك فإن التسرع لإضفاء الانترنت في جميع المراحل خاصة K-12 يضاف إلى حلزوننا الهابط ، ولو كان هذا الاتجاه ليس مؤيدا لكتب هارى بوتر Harry Potter فقد كان من الممكن أن نفقد كل الأمل الذى يضعف هنا بشكل واضح ، وبعد ذلك فجأة سوف تدرك أن فعلا المكتبات فى مشكلة منحدر خطير عندما يقول مسئولو التعليم العالى المهيمنين من ألا تعرف أن الانترنت قد ألغى المكتبات وهذا ما قاله جادزوكس Gadzooks وهذا أيضا ما يمكن أن يقوله هارى .
وفى محاولة لحفظ ثقافتنا والقتال من أجل القراءة وقبل كل شئ تصحيح الهدف الجيد ولكنه ذو أفكار خاطئة بشكل مروع بخصوص ما سوف يحدث بسرعة بين البلاد التى سوف تصبح بدون مكتبيين وهنا يوجد عشرة أسباب لعدم قدرة الانترنت أن يصبح بديلا للمكتبة :
1ـ ليس كل شئ موجود على الانترنت :
فمع أكثر من واحد بليون صفحة ويب أنت لا تستطيع أن تعرف ما فيها بمجرد النظر ، ولكن على الرغم من هذا العدد الهائل من الصفحات فالقليل جدا من المواد والوثائق ذات المحتوى الجوهرى تتواجد على الانترنت بالمجان ، فعلى سبيل المثال 8% فقط من نسبة الدوريات هى التى توجد على الانترنت بالإضافة إلى وجود نسبة أقل من الكتب ، وكلاهما مكلف فإذا كنت تريد اليوم دورية عن الكيمياء الحيوية أو عن الفيزياء أو دورية تتحدث عن تاريخ أمريكا فأنت سوف تدفع وبمقدار الآلاف المئات من الدولارات .
2ـ البحث عن الإبرة (موضوع البحث المطلوب) في كومة من القش (الويب) :
الانترنت مثل مكتبة كبيرة غير منظمة سوء استخدمت Hotbot, Lycos, Dogpile, Infoseek أو أي واحد من الكم الهائل الموجود من محركات البحث أو محركات المحركات فحتى عند طريق استخدام تلك المحركات فأنت لا تبحث عن جميع ما في الويب ، وتتعهد المواقع غالبا ببحث كل شئ ولكنها لا تستطيع تسليم النتائج إلى أصحابها كما هم يريدون ، والأكثر من ذلك أن عملية البحث لا يتم تحديثها يوميا ولا أسبوعيا ولا حتى شهريا وذلك بصرف النظر عما تعلنه من نتائج ، فلو أخبرك مكتبى أنه يوجد عشرة مقالات عن الأمريكيين الموطن الأصليين” وأخبرك أنهم يملكون أربعين مقالة أخرى عن نفس الموضوع ولكنهم لن يسمحوا لك برؤيتها ليس الآن أو ليس بعد حتى تحاول إجراء البحث فى مكتبة أخرى ، وفى هذه الحالة أنت سوف تغضب بشدة ، وعلى الرغم من أن الانترنت يقوم بفعل ذلك بصفة دورية ولكن يبدو أن لا أحداً يمانع.
3ـ خاصية الجودة والرقابة غير موجودة :
نعم نحن نحتاج إلى الانترنت ولكن بالإضافة إلى جميع المعلومات العلمية والطبية والتاريخية وعند التدقيق سوف نجد بالوعة من النفايات عندما يتعلم الشباب العلاقات من المواقع غير الأخلاقية أو الإباحية فلا توجد رقابة على الانترنت ، فالمكتبات تكون فى ذلك الوضع غير محظوظة بسبب الانفتاح العام على جميع المواقع الأخلاقية وغير الأخلاقية ، فأي أحمق يستطيع أن يضع ما يريده على الانترنت وفى البريد الالكتروني الخاص بالمستخدمين دون أن يشعروا.
4 ـ صعوبة الحصول على ما تريده بالكامل:
إن رقمنة الدوريات تعد أكبر هبة للمكتبات ورغم أن المواقع ذات النصوص الكاملةFull- Text ضخمة إلا أنها ليست دائما كاملة ، فما لا تعرفه حقا يؤذيك :
– في تلك المواقع غالبا ما تكون المقالات مفقودة بين أشياء أخرى .
– لا تظهر الجداول والهوامش والرسوم البيانية والصيغ غالبا فى شكل مقروء خاصة عند الطباعة .
– العناوين الخاصة بالدوريات المرقمنة غالبا ما تتغير بانتظام دون تحذير .
وقد تبدأ المكتبة بعدد من الدوريات فى سبتمبر وليكن x وتنتهى فى مايو مع العدد y والمشكلة هى أن العناوين ليست نفسها من سبتمبر إلى مايو .
فبالرغم من أن المكتبة قد تدفع مائة ألف دولار من أجل إتاحة هذه الدوريات على الشبكة ، ونادرا ما تشعر بأى تغيرات ، وأنا لن أقوم بمقايضة الوصول إلى الدوريات المرقمنة بأى شئ فى العالم ولكن استخدام تلك الدوريات يجب أن يكون بحكمة وتخطيط ودراسة وليس الاتكال عليها بشكل حصري.
5 ـ تستطيع أن تشترى كتابا واحدا وتوزعه على كل مكتبة بينما فى الويب لا :
بالطبع نحن نستطيع أن نملك مدرسة وطنية عليا واحدة وجامعة وطنية وكدر صغير من هيئة التدريس يقومون بتعليم كل شخص عن طريق شرائط الفيديو التى سوف يتم إعدادها بصورة مستمرة ، فمنذ عام 1970 كان يوجد حوالى 50.000 من العناوين الإكاديمية تنشر كل سنة ، ومن المليون ونصف عنوان كان متوافر أقل من 2000 عنوان فقط على شبكة الانترنت ، وكان يوجد على الانترنت حوالي 20.000 عنوان نشروا قبل عام 1925م لماذا ؟ ذلك لعدم وجود قيود خاصة بحقوق الملكية الفكرية مما أدى إلى ارتفاع أسعار تكلفة الطباعة إلى الضعف وثلاثة أضعاف في أحيانا أخرى.
إن الباعة الذين يقومون بتوزيع الكتب الالكترونية يسمحون فقط بنسخة رقمية واحدة لكل مكتبة وإذا قمت بفحص كتاب رقمى ما على شبكة الويب فأنا لا أستطيع الحصول عليه حتى تقوم أنت بإرجاعه وإذا حدث وتأخرت فى إرجاع الكتاب فسوف يشحن ألياً إلى بطاقة ائتمانك.
6ـ قراءة الكتاب المطبوع أفضل من قراء الكتاب الالكتروني :
معظمنا قد نسى ما قلنا عن الميكروفيلم “بأنه سوف يقلص حجم المكتبات” أو ما قلناه عندما تم اختراع التليفزيون التعليمي “بأننا سوف نحتاج إلى عدد معلمين أقل فى المستقبل” . حاول قراءة كتاب الكترونى بالأجهزة الخاصة بالقراءة لأكثر من نصف ساعة ستجد الصداع والإجهاد البصري هي أفضل النتائج التى سوف تصيبك .
بالإضافة إلى ما إذا كنت تقرأ أكثر من صفحتان ، ماذا ستفعل ؟ ستطبعه قد تعتبر سرقة فى هذه الحالة ، علاوة على ذلك فإن تكلفة أجهزة القراءة تدور ما بين 200 إلى 2000 دولار وأجهزة القراءة الرخيصة سوف يكون لها تأثير أسوأ على العين ، والسؤال هنا هل هذا سيتغير ؟ بلا شك سوف يتغير ولكن الآن لا توجد أى من قوى السوق الترويجية التى تجعلها تتغير ، سوف تتغير ولكن فى أقل من 75 سنة ! وذلك أيضا غير محتمل .
7ـ أهمية المكتبة التقليدية فى الجامعات:
لا ذلك ليس صحيح ، فقد افتتحت أحدث جامعة في ولاية كاليفورنيا بمونترى California at Monterey بدون بناية خاصة بالمكتبة وذلك قبل سنوات قليلة ، ولكن السنتين الماضيتين تقوم الجامعة بشراء كتب بعشرات الآلاف والسبب مفاجأة لك . المفاجأة أنهم لم يستطيعوا إيجاد ما يحتاجونه على الانترنت . وجامعة ولاية كاليفورنيا ذات الفنون المتعددة والتى تعد الموطن الرئيسى والأعلى كثافة للمهندسين ومغرمى الحاسب استكشفوا طولا سنتين إمكانية عمل مكتبة افتراضية (الكترونية بالكامل) ، وكان الحل لعمل ذلك هو 42 مليون دولار للمكتبة التقليدية وذلك بالطبع مع أداة الكترونية قوية ، وبعبارة أخرى مكتبة افتراضية بالكامل لا يمكن أن تنجز ، ليس بعد ، ليس الآن ، وليس فى عصرنا الحالي.
8 ـ صعوبة توافر المكتبة الافتراضية النموذجية :
ماذا تعمل ؟ سوف تفلس الحكومة ؟ نعم هذا سوف يحدث . إن تكلفة امتلاك كل شئ فى شكل مرقمن يحتاج إلى تكلفة عالية بشكل غير معقول وهذه التكلفة تقدر بعشرات الملايين من الدولارات التى سوف تنفق فقط من أجل الإعفاء من حقوق الملكية الفكرية ، وهذه تكلفة عمل مكتبة افتراضية واحدة فى جامعة واحدة .
فمؤسسة كويستيا للإعلان Questia Media وهى من كبرى المؤسسات التي أنفقت في يناير(2001) 125 مليون دولار فى رقمنة 50.000 ألف كتاب وأخذ الإذن والإجراءات حقوق التي تسمح بنشرهم (ولكن ليس إلى مكتبات) ، وبهذا المعدل فإنه لعمل مكتبة افتراضية متوسطة الحجم تتألف من 400 ألف مجلد ذلك سوف يتكلف 1.000.000.000 دولار! ويكون عليك بعد ذلك التأكد من أن التلاميذ سوف يصلوا إلى المكان الذى يريدونه فى الوقت الذى يريدونه .
وأخيرا ماذا سوف تفعل بالأوعية الثمينة والنادرة بعد رقمنتها ؟ تأخذهم إلى النفاية ؟ بالطبع ما زال الطلاب يستطيعون القراءة على ضوء شمعة ولكن ماذا سوف يكونوا يقرأون .
9ـ مساحة الانترنت الكبيرة الاتساع والعمق :
إن النظر فى هاوية الانترنت تشبه الدوار الذى لا طائل من وراءه وذلك يتأتى ليس فقط مما يوجد فى الانترنت بل أيضا مما ليس موجود به ، لا يوجد الكثير على الانترنت فمنذ أكثر من 15 سنة يقوم الباعة وأكشاك الكتب بعرض المجلات ويقومون بإضافة سنة جديدة بشكل دورى مع إسقاط سنة قديمة سابقة .
والوصول إلى المصادر القديمة باهظ التكلفة ، ولكنه سوف يكون مفيد فى السنوات القادمة بالنسبة للتلاميذ حتى يستطيعوا التعرف والوصول إلى جميع المصادر العلمية وليس فقط المصادر التى تمت كتابتها فى الـ 10 ، 15 سنة الأخيرة.
10ـ الانترنت محكوم بشروط بينما الكتب المطبوعة قابلة للنقل بسهولة :
فى مسح أخير للأشخاص الذين يقومون بشراء الكتب الالكترونية تبين أن أكثر من 8% منهم يفضل شراء الكتب الورقية أكثر من الكتب التي تتاح على شبكة الانترنيت وليس قراءتها على الويب ، نحن لنا ألف سنة نقرأ حتى أصبحت القراءة تجرى فى دمنا وذلك ليس من المحتمل أن يتغير فى الـ 75 سنة القادمة ولو سلمنا جدلا أنه سوف يكون هناك الآن تغييرات خاصة بتسليم المواد الالكترونية وعلى أى حال سوف يكون معظم هذه التغييرات مفيدا بشكل كبير ولكن البشر سوف يرغبون دائما التحرك مع كتاب جيد وليس حاسب محمول وذلك على الأقل للمستقبل المتوقع.
الويب خدمة عظيمة ولكنها بديل فقير ومثير للشفقة للوفاء بجميع الخدمات التي تحتاجها المكتبة ، وأنه سوف يكون إعجاب أعمى إذا جعلنا الويب أكثر من مجرد أداة ، فالمكتبات هي عبارة عن صورة مصغرة من ثقافتنا الفكرية ورمز إلى مجموعة المعرفة ، وإذا جعلنا المكتبات تُلغى من حياتنا فنحن حين إذن قد وقع حكم الإعدام على ضميرنا الوطنى الجماعى . وبدون الحاجة إلى ذكر الوعى لما سوف يتبقى من ثقافتنا ويذهب إلى جعبة التاريخ المنقضى لا أحد يعرف أفضل من المكتبيين كم تكلف إدارة مكتبة ، فنحن دائما نبحث عن طرق لموازنة النفقات بينما لا نقلص الخدمات ، أن الانترنت رائع يساعد الأجيال الجديدة الناشئة للاستفادة منه على مدى الحياة ولكن لا ندعى كالبعض الآن أن الانترنت يلغى المكتبات فهذا سخيف كقول أن الأحذية جعلت الأقدام غير ضرورية.
أحدث التعليقات