ونظرا لحجم الجدل الذي رافق إلغاء تراويح رمضان هذا العام للمرة الثانية على التوالي بسبب جائحة كورونا، نعود إلى تقليب صفحات التاريخ لمعرفة نشأتها وسيرورتها، واستقراء آراء فقهاء وباحثين حول أهم طقس ديني يشد الأنظار إليه في شهر الصيام.
ومن الأدلة التي تؤرخ لذلك، ما رواه البخاري عن ابن شهاب بن عروة بن الزبير عن عبد الرحمان أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع (أي جماعات متفرقة) متفرقون يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط (ما دون العشرة من الرجال). فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب. ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يُصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر: نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون، يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله».
ليس «عدنان» الوحيد صاحب هذا الموقف، فكثيرون يبادلونه نفس القناعة، بمن فيهم قيادات في حركات إسلامية يفترض أنهم على بينة مما يجري في الواقع، مثل محمد بولوز القيادي بحركة التوحيد والإصلاح الذي شارك منشورا على شكل «رسالة» موجهة إلى العاهل المغربي محمد السادس بوصفه أمير المؤمنين، داعيا من خلالها جمهور «الغاضبين من منع التراويح» إلى «المطالبة بممارسة الشعائر الدينية التي باتت مهددة مع قرار المنع».
يُصر «عدنان» على رأيه بأن الدولة فتحت المواجهة مع مساجد الله، حتى عندما يواجه من طرف منتقديه بأن بيوت الله مفتوحة أمام المصلين الذين يمكنهم أداء الصلوات المفروضة خارج أوقات حظر التنقل الليلي، فهو مقتنع أشد الاقتناع أنه «لا صيام بدون تراويح».
وبعد إقرار هذه «البدعة العمرية الحسنة» بتعبير علماء، كتب عمر في نفس السنة إلى المناطق التابعة لدار الإسلام وأمرهم بتخصيص قارئ للصلاة بالرجال وآخر للصلاة بالنساء، وكان من أهم القراء في ذلك الوقت، وفق ما دونه الطبري، أبي بن كعب (كان أحد الأربعة الذين جمعوا القرآن في حياة النبي محمد (ص)، وتوفي سنة 30 هجرية) ومعاذ بن الحارث (كان أحد الستة الأوائل الذين أسلموا في مكة، وتوفي سنة 63 هجرية)، فيما اشتهر من القراء الذين كلفهم عمر بأئمة النساء كل من تميم بن أوس الداري (كان نصرانيا أسلم في السنة التاسعة بعد الهجرة وتوفي سنة 40 هجرية) وسليمان ابن أبي حثمة القرشي (توفي في سنة 85 هجرية).
تعتبر صلاة التراويح من العلامات المميزة لرمضان، وتحظى بقدسية اختلط فيها الدين بالعادة.
بين صلاة النبي وعمر واليوم !
ولأجل توحيد صلاة التراويح في الأقطار الإسلامية، أمر عمر أن تصلى في عشرين ركعة، وهو ما أكده العلامة مصطفى بن حمزة في تصريح لـ»الأيام»، حين اعتبر أن المغاربة يحافظون على سنة عمر إلى اليوم، عندما يصلون ترويحتين، الأولى بعد العشاء من عشر ركعات والثانية قبل الفجر بنفس العدد من الركعات.
تعتبر صلاة التراويح أهم طقس ديني في رمضان بعد الصيام، وتحظى بقدسية لدى المغاربة وعموم المسلمين، حتى أنها تستقطب أكبر عدد من المصلين أكثر من غيرها من الصلوات، كما يظهر من حالة المساجد التي كانت تمتلئ عن آخرها في السنوات الماضية، ويلجأ المصلون في عدد منها إلى افتراش الأرض في الشوارع والأزقة المجاورة.
لم يكن «عدنان. ن» يتصور أن رمضان لهذا العام سيكون الثاني على التوالي الذي سيحرم فيه من أداء صلاة التراويح بمسجد الحسن الثاني بالبيضاء، حيث تشنف آذانه القراءة العطرة للمقرئ عمر القزابري، لذلك يخوض منذ السابع من أبريل تاريخ إعلان قرار حظر التنقل الليلي في رمضان، مرافعات قوية بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، لإقناع أصدقائه بأن الحكومة تشن حربا على الدين بمنعها لأهم شعيرة دينية في رمضان، صلاة التراويح.
تكشف عملية بحث سريعة في كتب التاريخ عن مفاجأة حول أصل نشأة صلاة التراويح في الإسلام، لا يعرفها كثير من المغاربة، وهي أن التراويح فضلا عن كونها «نافلة» وليست «فرضا» فقد كانت تؤدى فرديا في البيوت وليس جماعة في المساجد. وأنها لم تكن تؤدى من قبل بالشكل الذي هي عليه اليوم، أي بالصلاة خلف إمام واحد في المسجد إلا في عهد الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب، حيث أنه يعتبر أول من جمع الناس على قارئ واحد في السنة 14 هجرية، فيما كان المسلمون يؤدونها في عهد الرسول محمد عليه السلام والخليفة الراشدي الأول أبو بكر الصديق بشكل فردي في بيوتهم غالبا، وفق ما هو مدون في تأريخ الطبري.
هذه المفارقة التي عبر عنها «أيوب» تدفع للتساؤل عما يجعل المغاربة يقدسون التراويح أكثر من الصلوات الخمس، علما أن الأولى «نافلة» والثانية «فرض» بل وتعتبر عماد الدين.
تسهيلات وترخيصات !
ومما لا يختلف عليه اثنان، أن الصلوات الخمس المفروضة لا تعرف نفس الإقبال في التراويح، حتى أن فئة من المصلين تواظب على صلاة التراويح في المسجد دون غيرها من الصلوات، بما فيها صلاة العشاء، وهو ما لم يخفه «أيوب. د» الذي أكد أنه قد يصلي العشاء في المنزل لكنه لن يتخلف عن صلاة التراويح، فالأهم بالنسبة إليه ألا يحرم من أجرها.
وفيما يتعامل مغاربة بتعصب كبير مع أداء التراويح بالمساجد، ومنهم من اعتبر حظر التنقل الليلي في رمضان من الثامنة إلى السادسة مساء بمنزلة «حرب على الإسلام»، مثل «عبد الرحمان. ز» الذي رأى منع التراويح «إثما كبيرا ما بعده إثم»، تنقل كتب تاريخ الإسلام كيف أن النبي الأكرم كان يؤدي قيام رمضان في بيته، وكيف أنه خشي بعد أن صلاها في المسجد بعضا من الليالي أن يعتقد المسلمون أنها فرض، خاصة عندما رأى إقبال الناس عليها، كما يؤكد ذلك مضمون حديث نبوي روي في الصحيحين (البخاري ومسلم).
ومما يدل على أن التراويح في الأصل تؤدى في البيوت بشكل فردي، المعلومة الموجودة في كتب التاريخ والتي يجهلها أو يتجاهلها كثيرون، والتي تؤكد أنه رغم بداية العمل بسنة عمر فإن الكعبة لم تشهد صلاة التراويح جماعة وبقارئ واحد إلا في عهد الأمويين، وفق ما أورده أبو عبيد البكري الأندلسي المتوفى في 487 هجرية في كتابه «المسالك والممالك»، حيث قال إن: «أول من أدار الصفوف حول الكعبة عند قيام رمضان خالد بن عبد الله القسري (كان واليا على مكة)، فأمر الأئمة أن يتقدموا ويصلوا خلف المقام، وأدار الصفوف حول الكعبة».
أحدث التعليقات