كنت أنتظر داخل الغرفة المحصنة تحت الأرض بمعية فريق المتفجرات وأنا أضغط بشدة على أُذنيَّ بأصابعي. أما في الخارج فقد سُجّلت الطلقة رقم 52 في سلسلة الاختبارات، والتي امتدت من فتيل تفجيرٍ مخطط باللونين الأصفر والأخضر طوله ستة أمتار، على جدار مبنى مكون من غرفة واحدة ومصنوع من الخشب الرقائقي وله باب فولاذي مقاوم للحرائق. فقد كان هناك عَدٌّ تنازلي يبدأ من الرقم خمسة، ثم تَلاهُ صوت انفجار له دويّ منخفض أحسست من جرائه برجَّة خفيفة تسري وسط صدري. وتعد هذه الرجة الخفيفة إحساساً خاصاً لدى الأشخاص القريبين من مواقع التفجيرات، إذ قال لي أحد أعضاء الفريق: “هل أحسستِ بالرجة؟ لقد سبق لي أن شاركت في معارك حيث كانت مواقع التفجيرات تبعد عنا بمئات أو آلاف الأمتار، ومع ذلك كنت أحس بتلك الرجة الخفيفة”.
وسعياً وراء معرفة الأثر المجهول لتلك الرجة على جسم الإنسان، كنت قد شددت الرحال إلى أحد ميادين القصف التي استُخدمت في زمن الحرب العالمية الثانية، على بعد نحو 65 كيلومتراً إلى الجنوب الشرقي لمدينة دنفر الأميركية. استُخدم هذا الميدان آنذاك لاختبار القنابل التي تزن حمولتها نصف طن. أما في الوقت الحالي فيُستخدم لاختبار المتفجرات الموجَّهة لإحداث ثقوب في الجدران والأبواب في مناطق القتال، إذ تعد ممارسة عادية في الحرب الحديثة. ويتمثل الهدف من هذه التجارب في استكشاف الأثر الذي تحدثه رجة الانفجار في الدماغ البشري.
فحسب وزارة الدفاع الأميركية، اكتُشفت إصابة نحو 230 ألف فرد من الجنود والمحاربين القدامى خلال الفترة ما بين 2001 و2014 بما يُدعى “الإصابة الدماغية الرضّية الخفيفة” (تُسمى اختصاراً بالإنجليزية: TBI) التي تعود أسبابها في الغالب إلى التعرض لقوة التفجيرات. ومن المُحال تحديد أعداد ضحايا هذه الحالة بصورة دقيقة، وذلك لأسباب مختلفة: منها تنوع وتعدد الأعراض المرتبطة بها (صداع الرأس، نوبات الصرع، الاضطرابات الحركية، اضطرابات النوم، الدوار، اضطرابات البصر، طنين الأذنين، تقلبات المزاج، صعوبات الإدراك والتذكر والكلام)، فضلا عن تشابه هذه الأعراض مع أعراض “اضطراب الضغوط التالية للصدمات النفسية” (اختصاراً: PTSD)، وعدم توثيق عدد المرات التي تعرَّض فيها الجنود لقوة التفجيرات خلال السنوات الأولى للحرب في أفغانستان والعراق
ناشونال جغرافيك
أحدث التعليقات