هــــمـــو وسَــطٌ يَرْضى الأنـــامُ بحكمهــم
إذا نزلـــت إحـــدى اللــــيـــالـــي الــعــظــائـــــمُ
ومن أجل ذلك أطلق الله سبحانه على الأمة الإسلامية اسم الأمة الوسَطَ فقال في سورة البقرة : “وكذلك جعلناكم أمةً وَسَطا، لتكونوا شُهدَاء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا” (الآية 143).
توسط الإسلام أو وسطيته
الحلقة (
وقد ارتأينا بمناسبة شهر رمضان المبارك، أن ننشر على حلقات بعضا من هذه المقالات المنشورة في الكتاب المذكور أو غيره، تعميما للفائدة ومساهمة منا في نشر فكر عبد الهادي بوطالب الذي يعد من رواد الفكر الإسلامي التنويري.
وقد قال ابن كثير في تفسيره إن الوسطية تعني العدل. بل رُوي عن الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الوسط بالعدل (تفسير ابن كثير – الجزء الأول، ص 190). والعدل في حقيقته عملية توازن تقوم بها العدالة لصالح الحق بدون تحيز إلى طرف أو آخر.
من بين القضايا التي استأثرت باهتمام الأستاذ الراحل عبد الهادي بوطالب، قضايا الإسلام المعاصر. اهتمام الفقيد بهذا الموضوع، يعود من جهة إلى كونه من خريجي جامعة القرويين ، عالما علامة، ومن جهة أخرى إلى كونه تحمل مسؤولية مدير عام للمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم في مرحلة احتل فيها النقاش حول ما سمي بالصحوة الإسلامية، بعد الثورة الإيرانية، صدارة الأحداث والاهتمامات السياسية والفكرية في ذلك الوقت، حيث يجدر القول، بأن نفس القضايا مازالت مطروحة إلى اليوم، والتي خاض فيها الأستاذ عبد الهادي بوطالب بالدراسة والتحليل عبر العديد من المقالات والمحاضرات التي نشر البعض منها في كتاب من جزأين، تحت عنوان، “قضايا الإسلام المعاصر”. وهي كتابات مازالت لها راهنيتها.
وقال المفسرون في شرح معنى “أوسطُهم” أنه أعْدَلُهم. وذلك في (سورة القلم، الآية 28) : “قال أوسَطُهم ألم أقل لكم لولا تُسَبحون”.
وبفضل هذه الوسطية أصبحت الأمة الإسلامية مؤهلة للشهادة على الناس. فشهادة التطرف المنحاز مطعون فيها وغير مقبولة. ولأن شهادة من يقتعد الوسط تكون شهادة متوازنة موزونة بالقسطاس المستقيم، وسائرة في الوقت نفسه على الصراط المستقيم، تشهد بالحق الذي لا يقارَع ولا تعارَض صولته، لا بالباطل الذي لا تطول جولته. تنصف ولا تحابى، وتعدل ولا تظلم.
وقد وصف الشاعر زهير بن أبي سلمى الوسيط العَدْل الذي يطمئن الناس إلى حكمه بقوله :
الإسلام في الاعتقاد يتوسط بين من يصدقون بلا حدود، وبين من ينكرون كل شئ ويرفضون. ندد بالذين : “قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون” (الزخرف، الآية 22)، وبالملاحدة الذين أنكروا رسالة الرسل : “وما قدروا الله حق قَدْره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شئ” (الأنعام الآية 91). وتحاكم مع الجاحدين إلى العقل والبرهان : (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين” (البقرة، الآية 111).
خاصية الإسلام الأساسية تكمن في أن أحكامه وتشريعاته تطبعها الوسطية، فهي بين المنزلتين : لا إفراط ولا تفريط، ولا تطرف ولا تعصب ولا تنطع. إنه رسالة متوازنة تقتعد بين الديانات والأيديولوجيات والمذاهب المكان الوسط. وجميع ما جاء به الإسلام من أحكام واجبة أو ناهية يُشكل وسطا بين طرفين.
)
والإسلام يحكم بالكفر على من يؤلهون البشر وينقادون إلى عبادة الإنسان، أو يجزئون الإله الواحد أجزاءا تثليثا وتبعيضا، لكنه ينصف هذا الإنسان بتكريم جنسه وتفضيله، ويقف به بعد ذلك عند حدوده. وهو يقف وسطا بين من يبالغون في تقديس الأنبياء إلى درجة التأليه، وبين من لا يعتبرونهم إلا سحرة وأفاكين أو شعراء كاذبين.
أحدث التعليقات